ونعم بالله!

العراق 2022/05/30
...

أحمد عبد الحسين
يُتداول في وسائل التواصل فيديو مؤلم، مقطع من حوار لقناة عراقية مع مسؤول كبير في وزارة الزراعة. تسأله المذيعة: ما خططكم للحدّ من التصحر؟ فيجيب: "هناك مائة ألف حلّ"، ثم أورد من بين المائة ألف حلّ حلّين هما: صلاة الاستسقاء والتوجّه إلى الله تعالى.
لو نُقل لي كلامه من دون أن أرى الفيديو لما صدّقت. لظننتُ أن أحداً ما يريد تشويه سمعة موظف في الدولة. والحقيقة أني حتى وأنا أنظر إليه وهو يتكلّم كنت أنتظر منه أن يضحك وتضحك معه المذيعة ولنضحك نحن معه لطرافته وخفة دمه. لكنْ هيهات هو جادّ تماماً، وجهه متجهم وهو يطرح حلوله في قضية مصيرية وفي ملفّ هو مختصّ به.
خفّ الاستغراب عندي بعد أن تذكرتُ فيديو آخر قبل سنوات لرئيس هيئة النزاهة، سُئل عن خططه للحدّ من الفساد فأجاب، وكنّا في شهر رمضان: "علينا استغلال ليالي القدر الشريفة هذه في الدعاء إلى الله لينتقم من الفاسدين". وانتهى استغرابي تماماً وأنا أتذكر تصريحاً لنائب رئيس الجمهورية قبل سنوات أيضاً عن رؤيته لحلول اقتصادية في ظل إفلاس الخزينة آنذاك، قال بصوتٍ يقطر إيماناً وخشوعاً: الدعاء إلى الله!.
ينتهي الاستغراب ويحلّ محلّه القرف. فحين يلجأ المسؤول إلى هذه الأجوبة الإسكاتية ويضع المقدّس بيننا وبينه درعاً واقياً ليتملّص من واجبه، حين يجعل من الله جلّ وعلا باباً خلفياً للتهرّب من مسؤولياته فذلك يعني أننا وصلنا إلى القعر فعلاً وما زلنا نحفر بحثاً عن رقم قياسيّ للحضيض.
لطالما كانت الشعبوية والابتذال والاختباء وراء اسم المقدّس منجى وملاذاً للفاشلين. لو كان هناك كتاب اسمه "دليل الفاشل الكذاب للنجاة من العقاب" لوجدت في صفحته الأولى ما يلي: عزيزي الفاشل المحترم إذا أردت التخلّص من سخط الناس الذين أنتَ مسؤول عنهم؛ فاجعل الأمر كلّه بينهم وبين الله لا بينهم وبينك. لكنّ هذا الكتاب لم يؤلفْ بعدُ بكل أسف.
تحويل معاملات الناس الملحّة إلى دائرة الله قد يكون قريباً هو الحلّ الوحيد المتاح لكلّ دوائر الدولة، ومَنْ يستطيع الاعتراض على أن يكون الباري جلّت قدرته هو مسؤوله المباشر بدلاً من هؤلاء المسؤولين البشر الذين لا حول ولا قوة لديهم؟.
قريباً نكون صنفين: مسؤولين يشيرون بأصابعهم إلى السماء بخشوع، ومواطنين يتمتمون: ونعم بالله .. ونعم بالله!.