الفساد المستقر

العراق 2022/06/05
...

اللواء الدكتور عدي سمير الحساني
يستند الفساد إلى عدة مرتكزات أساسية وهي البيئة المحيطة وضعف الإدارة وعدم تطبيق القوانين الانضباطية بشكلها القانوني الصحيح إضافة إلى جهل الموظف بالقوانين والأنظمة التي تحكم عمله.
هذا من جانب ومن جانب آخر هناك عوامل رئيسة في مجال الوظيفة تدعم استقرار الفساد وتؤسس لتطويره وتجعله عابراً لحدود ومجال الوظيفة.
وأهم هذه العوامل هي (ديمومة المناصب) وتحويلها إلى مناصب (معمرة) وإذا ما عدنا إلى الماضي القريب لنستذكر الأجهزة الكهربائية المعمرة أو كما تسمى السلع المعمرة التي كانت تعمل في كل البيئات وبأتعس الظروف وأقسى استخدام من دون عطل، ولكننا نجهل أنها تسحب كهرباء كبيرة جداً من دون أن نشعر بذلك.
هكذا هي المناصب المعمرة، فاليوم نجد بعض الموظفين والمدراء معمرين في مناصبهم الوظيفية ولم يطلهم التغيير حتى الكهول منهم وأصبحوا من أدوات التأخير والتعطيل والعرقلة لعملية التقدم، لا بل أسسوا إمبراطوريات كبيرة تأصل فيها الفساد.
ولنأخذ مثالاً لذلك ما حدث من تسريب للأسئلة وما تلاه من ردود أفعال أثرت بشكل أو بآخر في المسيرة العلمية تاركةً انطباعا سيئا سيبقى عالقاً في أذهان الأجيال.
فإذا بحثنا عن السبب المباشر سنجد أن عدم ملاءمة المناهج للمراحل الدراسية وسوء التدريس من بعض الأساتذة ناهيك عن انتقامية بعض اللجان في صياغة الأسئلة الامتحانية من خلال وضع أسئلة صعبة وغامضة تصعب حتى على ذوي الاختصاص. إضافة إلى فسح المجال لبعض الأساتذة والمدراء للبقاء في أماكن عملهم فترات طويلة من دون أن يمسهم التغيير وأصبحوا كهول المناصب التي لا يعرفون قيمتها وتركوا أبواباً ومنافذ أخرى يسلكها الطالب.
وإن الغالبية منهم وضعوا الحجر الأساس للمدارس الأهلية ومعاهد للتدريس الخصوصي فتركوا الجانب الإنساني واتجهوا إلى الجانب المادي في أكبر عملية اغتيال علمية أوصلتنا للنتيجة الحالية في تسريب أسئلة امتحانية  وتأجيل امتحان الطلبة الذين لا ذنب لهم في ذلك.
وكالعادة تدخلت الجهات الأمنية للتحقيق والبحث والتحري من أجل الوصول إلى من أساء استغلال نفوذه وأجرم في إفشاء هذه الأسئلة التي تحمل طابع السرية ومحظور تداولها قبل ساعة الامتحان.
كما أنه يُعد مجرماً بحق المجتمع فهي جريمة أخلاقية ضد شعبه الذي حصنه الدستور العراقي لسنة 2005 النافذ في المادة ( 34/أولا ) التي تنص على ((التعليم عامل أساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة…)).
لذلك نحتاج إلى أن يكون العقاب جنائياً وليس انضباطياً لأننا اليوم أمام واقعة خطرة جداً يجب القضاء عليها بما يضمن الحفاظ على المسيرة العلمية وكرامة هذه المهنة الإنسانية.