د. ياسين طرار غند
تعدُّ الآثار الضارة للذكورة الهشة على مجتمعنا بالغة الأهميَّة ولا يمكننا تجاهلها بعد الآن، نحتاج أنْ نبدأ الحديث عن هذه القضيَّة لنساعد أنفسنا والآخرين على التعافي من آثارها.
يشير مصطلح "الذكوريَّة الهشة" أو "الضعيفة المنكسرة" إلى نوعٍ محددٍ من القلق الذي يشعر به الرجال عندما يعتقدون أنهم لا يرقون إلى التماهي أو التطابق تفكيرًا وانفعالا وفعلا مع المعايير الثقافيَّة المحددة لماهيَّة الرجولةmanhood's cultural standards وخصائصها وسلوكياتها في المجتمع الذي يعيشون فيه، وعادة يرتب هذا الاعتقاد شعورًا مهينا بالانكسار والضعف، وربما يفضي لدى البعض ممن يعانون منه إلى اتخاذ مواقف أو الإتيان بسلوكيات تعويضيَّة تهدف إلى استعادة حالة الرجولة المفقودة والوصول إلى حالة "الرجل الحقيقي" وفقا لمواصفات هذه المعايير الثقافيَّة.
مشكلات خطيرة
إنها ليست حالة طبيَّة معترفاً بها في حد ذاتها. ومع ذلك، يمكن أنْ تؤدي إلى مشكلات خطيرة مثل الاكتئاب وتعاطي المخدرات.
تنشأ الذكورة الهشة من الخوف من أنْ يُنظر إليها على أنها أنثويَّة أو ضعيفة، وغالبًا ما تُستخدم ضد الرجال المثليين أو المتحولين جنسيًا. كما ينطبق على الرجال المغايرين جنسياً الذين تم استجواب رجولتهم لأي سببٍ من الأسباب.
ويشيع في غالبيَّة الثقافات توقعٌ مفاده أنْ "يحقق" و"يدافع" الرجال عن مكانتهم أو تراتبيتهم العالية في المكانة كحالة دالَّة على السيطرة والضبط والتحكم والقيادة والتوجيه بوصفهم ينتمون إلى أو يصنفون تحت فئة "الجنس الذكوري" أو "النوع الذكوري"، وأي إخفاق في الإعراب سلوكيًا في واقع الأمر عن ماهيَّة "الرجولة" بهذا التصور يخاطرون بفقدان مكانتهم "كرجال حقيقيين"، الأمر الذي يرتب تلقيهم تعزيزات سلبيَّة وقد يتعرضون للتهميش والنبذ والسخريَّة والاستهزاء بما يصاحب ذلك من امتلاء تكوينهم النفسي بالقلق والكرب والضيق والاستياء من الذات. وقد يندفع البعض ممن يعانون من هذه الحالة إلى الإتيان بسلوكيات تعويضيَّة غريبة ومختلة.
تجدر الإشارة إلى أنّ "الذكوريَّة الهشة الضعيفة والمنكسرة" لا تتعلق بالقلق الناجم عن مخاوف الرجولة والعواقب السلوكيَّة لهذا القلق، كما أنها ليست فقط مجرد الخوف من معاقبة الشخص أو إدانته لفشله في الامتثال لهويَّة الدور وسلوكيات النوع الرجولي المحدد ثقافيًا واجتماعيًا، بل بالإضافة إلى ذلك "الخوف من فقدان عضويته في المكانة العالية" المرتبطة بالانتساب لعالم الرجال.
الانوثة المفرطة
باختصاٍر شديٍد طغيان الأنوثة أو الأنوثة المفرطة استجابة للتغيير الاجتماعي تتحدى به النساء الواقع عبر "تبني سمات نمطيَّة مبالغٍ فيها للأنوثة التقليديَّة" التي يؤكد فيها قيمة وأهميَّة وسحر وجاذبيَّة المظهر الجسماني الأنثوي والمزايا التي يمكن أنْ يتمَّ جنيها في عالمٍ مهووسٍ بالصورة وفتنة المظهر وشبق المنظور خاصَّة مع طغيان وجبروت تأثيرات منصات وشبكات التواصل الاجتماعي في ضوء فكرة "تشجيع النساء على "امتلاك أجسادهن" تفعلن به ما تردن بوصفه في ما يتصورن رأسمالهن في الحياة وقوام تسويق ذاتها في عالم ذكوري الثقافة أبوي السلطة لا يفهم ولا يرى من المرأة غير فتنة الجسد وغواية الصورة وبريق المظهر. الأمر الذي رتَّبَ لدى بعض النساء ما يمكن تسميته "الانشغال القهري بصورة الجسم" تزيينًا وتقويمًا وتسويقًا ليس فقط تسويقًا بالمظهر الخارجي إنما بآليات العرض والحركة والتمايل وربما التحايل والمكايدة في رحلة تنافسيَّة بين نساءٍ بعضهن البعض في عروضٍ وجلسات تصوير وتنافسيَّة على الظهور على واجهات الصحف والمجلات والعروض الإعلاميَّة.
مثال العلامة التجاريَّة: في الآونة الأخيرة، شهدنا صعود رائدة الأعمال النسائيَّة المفرطة في عالم الإنترنت. من خلال الاستفادة من قوة وسائل التواصل الاجتماعي، تقوم النساء ذوات الأنوثة المفرطة بالتشويش الذاتي، واستخدام سماتهن الجسديَّة كمصدر للسلطة والتمكين والدخل.المثال الأكثر شهرة يأتي من أسرة "كارداشيان"، بنى إمبراطوريته على أساس الأنوثة المفرطة. تكسب الأخوات عيشهن من تجسيد الذات، بما في ذلك التعزيزات الجراحيَّة، لتحقيق المظهر الأنثوي المثالي. مع مجتمعٍ متابعٍ للانستاغرام يصل إلى (500) مليون شخص، نجحت الأخوات بشكلٍ كبيرٍ في تسويق تواجدهن على وسائل التواصل الاجتماعي لبيع المنتجات. في آب 2018، ظهرت كايلي جينر على غلاف مجلة فوربس وأطلق عليها لقب "أصغر ملياردير عصامي في أمريكا".
الخطر: من الواضح أنَّ التركيز على المظهر الأنثوي المتأصل بهويَّة علامة تجاريَّة مربحة قد أثبت نجاحه. ومع ذلك، فإنَّ تركيزها الجمالي الفريد يأتي مع العديد من المخاطر المهمَّة ويظهرها كارداشيان أيضًا. تم وصفهن على أنهن "عميلات مزدوجات للنظام الأبوي" وقد جذبت مؤهلاتهن الأنثويَّة المفرطة اهتمامًا سلبيًا، لتعزيز التوقعات غير القابلة للتحقيق والمدمرة، حيث تحدث العديد من الشخصيات العامَّة عن تأثيرهن في الفتيات الصغيرات، منتقدين مكانتهن كنماذج يحتذى بها..
في النهاية، مقارنة بحريَّة وتمكين الأنوثة غير المقيدة، فإنَّ اختيار التركيز الضيق والمبالغ فيه على الصور النمطيَّة هو ستراتيجيَّة عالية المخاطر لمعظم العلامات التجاريَّة. يضاف إلى ذلك الارتفاع المستمر في الشفافيَّة واتجاهات الأصالة، جنبًا إلى جنب مع الفحص المتجدد للصناعات لتناسب الأنوثة المفرطة (مثل التسويق المؤثر) ونتيجة لذلك، يبتعد المنافسون ذوو التفكير التقدمي إلى حدٍ كبيرٍ عن الصور النمطيَّة الاختزاليَّة (والتي غالبًا ما تكون عفا عليها الزمن) من خلال الاحتفال بمزيدٍ من النسويات المتنوعة وتأييد الاختلافات في الفكر والسلوك بدلاً من المظهر فقط.