لسنا جثثاً

العراق 2022/06/12
...

أحمد عبد الحسين
 
ليس القويّ مَنْ لا يأبه للكارثة التي تحيق به، وليس صلباً مَنْ لا تكون له ردّة فعلٍ على حدث جلل يغيّر حياته، قد يكون ببساطة ميتاً، بليداً عديم الإحساس. يصدق هذا على الفرد كما يصدق على المجموع.
الأمم تراجع تأريخها وتبدل نمط حياتها وتفكيرها بعد كلّ هزة عميقة تلمّ بها، لم تكنْ سياسات أوروبا وحدها التي تغيّرت بالكامل بعد الحرب العالمية الأولى، انقلب كلّ شيء رأساً على عقب، الفنّ والأدب دخلا في صدمة الدادائية ثم السوريالية والمستقبلية، والفلسفة خالطها الاختلاف والعدمية والوجودية. حلّتْ الكارثة ويجب أنْ لا يبقى من بناء حياتنا القديم حجرٌ على حجر.
ردّة الفعل إزاء الكوارث أمر طبيعيّ وليس قراراً، كما لو أن جسداً لامس سلكاً مكشوطاً موصولاً بالكهرباء، لا بدّ أن ينتفض تلقائياً ويتشنج ويرتعد. في هذه الحال فإن الجسد الذي لا يأبه مجرد جثة.
في السنوات التي أراد الساسة للعراق أن يكون ملعباً للسيارات المفخخة، كان إعلاميون ومعلقون يتغنون بصلابة العراقيّ الذي سرعان ما يشطف دماء أخوته ويعود إلى مزاولة حياته كأنْ لم يحدث شيء. كان هذا يحزنني ويصيبني بالذعر، لأنه علامة على أننا أصبحنا عديمي الإحساس، مجرد جثث تتحرك.
اللامبالاة التي نقابل بها أخبار السرقات الترليونية، والأموال التي تهرّب إلى جيراننا، والفساد الذي ينخر الدولة، أقرب إلى ردّة فعل أناس في الفتحة الرابعة من وادي السلام، لا ردّة فعل أناس أحياء.
كلّ هذه علائم موت.
أمس مرّتْ ذكرى سقوط ثلث العراق في يد عصابة مكوّنة من بضع مئاتٍ مخربطين يلبسون السواد، وانهيار المنظومة الأمنية وإعدام الآف الشبّان الذين حُمّلوا من محافظاتهم ليلاقوا مصيرهم في سبايكر على مرأى ومسمع من القيادة.
كانت انتفاضة الجسد العراقيّ الحاسمة والطبيعية هي في فتوى الجهاد الكفائيّ وهمّة الحشد الشعبيّ واسترداد الجيش والشرطة هيبتهما، ولو بقي الأمر مقتصراً على القادة لكان العراق كلّه متشحاً الآن بسواد داعش.
احتلال ثلث العراق ومقتل الآلاف من أبنائه وانهيار المنظومة الأمنية مرّ ـ حتى الان ـ من دون مراجعة وتحقيق ومحاسبة. ما زال المجرمون والمقصرون والخونة طلقاء يتنعمون. وما زلنا نراهم ونسمعهم ولا نبالي.
المجد لشهداء القوات الأمنية والحشد الذين بهم وحدهم عرفنا أنّ بنا بعض حياة.