علي لفتة سعيد
يمكن أن نطرح سؤالا مهما في ظلّ ما نمرّ به منذ بداية تأسيس الدول حتى الآن. هل يحتاج العمل السياسي الى عقلٍ أم الى تعقّل؟ ثم نطرح سؤالا آخر قبل الإجابة على السؤال الأول. هل يحتاج العمل السياسي الى تعصّب أم عقلنة؟
إن الإجابة تفرض علينا الفصل بين المصطلحات التي يعرفها المتلقّي باعتباره مهتمًّا بالتوصيفات وإن العقل هو” مجموعة من القدرات المتعلّقة بالإدراك، والتقييم، والتذكّر، وأخذ القرارات، وهو ينعكس في بعض الحالات على الأحاسيس، والتصورات، والعواطف، والذاكرة، والتفكير، والرغبات، والدوافع، والخيارات، واللاوعي....” في حين يكون التعقّل هو الإدراك بالأشياء التي يفعّلها العقل ولا ينجرّ الى سلبياتها، بمعنى أنه أدرك ما فعله العقل.. فلا تعقّل بلا عقل، ولا تعقّل بلا تفكّر وتدبّر بما حوله.
وهو الأمر الذي يؤدّي بالضرورة لإفعال العقل بأهمية التعقّل الى فهم فلسفة العقل والتعقّل معا.. وهنا لا يعني أن استخدام العقل لا يحتاج الى فلسفة، بل إلى أبسط مقوّمات الفلسفة، لأن التعمّق في هذا الجانب هو من اشتغال الفلاسفة.
لكنَّ المشكلة في العمل السياسي العربي، هو وجود العقل مع غياب غير قليل للتعقّل، ولا نقصد به التعريفات الأخرى، بل التعقّل في معرفة حاجات الناس، لأن العمل السياسي ليس فقط العمل الخاص الشخصي، الذي يرافق العمل السياسي العربي منذ بدايات التأسيس الأول، التي جاءت ما بعد الحقبة الاستعمارية، والتي انولدت بأسباب عديدة، سواء تلك الدول التي أسّستها الجماعات العسكرية أو القبلية أو الأحزاب، التي تتخذ من الأفكار الأيديولوجية والعقائدية والدينية في حقبة ما بعد الاستعمار. والتي تحوّلت ما بعد التخلّص من تلك الحقبة الى عملٍ كياني لتنفيذ أجندات خاصّة بطريقة من يعمل عقله.. وهو هنا يعني أن الحكّام الذي وجدوا أنفسهم في السلطة، كان عليهم استخدام العقل في كيفية الإبقاء والوصول إلى بسط السيطرة، وبالتالي استخدام ذات الطريقة في مواجهة الاستعمار، لتكون الطريقة من أجل البقاء في السلطة.. وكلما زادت الحركات والأحزاب كلما زادت الحاجة الى التعقّل، الذي يعني إدراك العمل وأهميته، خاصة إذا وصلت تلك الحركة أو ذاك الحزب الى السلطة أو تحوّل الى المعارضة.. فالعقل يسهّل الطريق ويقشّر الممكنات ويدل الطريق ويحصر الضوء، لرؤية السبيل ويمهّد للوصول إلى الغاية. ومثلما التعصّب بالأفكار لجهات اجتماعية مطلوب، فان التعقّل في العمل السياسي مطلوب حتى لا تكون النتائج غير جيدة.. لأن كل ما يفكّر به العقل صحيح لذلك قيل عن السياسة إنها فنّ الممكن، مثلما قيل إنها لعبة تحقيق المصالح، وادارة اللعبة وإدراكها هي التي تؤدّي الى البقاء في السلطة لتنفيذ البرامج التي يؤمن بها هذا الطرف أو ذاك.
إن المشكلة التي يعاني منها المواطن العربي هو غياب فعل التعقّل في العمل العقلي، الذي يراد منه تحقيق مكاسب وانتصارات، من دون التفكير إذا ما كانت هذه المكاسب مؤثّرة بشكلٍ إيجابي على جزء من الشعب أو الدولة، أم أنها تفضي إلى نتائج عكسية بما فيه الحروب، سواء التي تحدث خارجيا أم داخليا.
إن العمل السياسي هو فعل عقلي، لكن ما يجري هو صناعة ردّة الفعل، بسبب غياب التعقّل في عملية الإدراك العام، مثلما هو فاعل في الإدراك الخاص، وأي اختلال بين الاثنين تحدث الكوارث بما يسمى الفعل المتعصّب لهذه الفكرة أو تلك، حينها يتحوّل العمل السياسي، من كونه عملا عقليا الى عمل انتقامي، لأنه يرى كل الأشياء عدائية، وقد غاب عنها العقل من أجل الوصول إلى السلطة.