الصندوق الاجتماعي للتنمية

اقتصادية 2022/06/13
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي  
 
التنمية مفهوم واسع .. وهي بهذه السعة، تحتاج الى كل جهد وفعل وقول وسلوك، يمكن أن يسهم في عملية تحقيق أهدافها التي تسعى الى خلق حياة أفضل للإنسان، الذي يُعد هدفها ومحركها ومحورها الأساس.
ولهذه الأسباب أطلقت الأمم المتحدة أهدافها السبعة عشرة الخاصة بتحقيق التنمية المستدامة في كوكب الأرض، ووضعت في مقدمة هذه الأهداف، محاربة الجوع، والفقر، فلعل العالم كان قد قرأ مجريات الأحداث، وتوصل إلى أن البشريّة ستواجه أزمة غذائيّة ستهدد ملايين البشر بالفقر والجوع، والتي بدأت ملامحها تظهر الآن.
وعود على بدء، فإنَّ هناك العديد من الفعاليات والإجراءات والمشاريع التي يمكن أن تسهم في تحقيق جزء من أهداف التنمية المستدامة، وهنا أشير الى تجربة الصناديق الاجتماعية للتنمية التي نشأت في عدة بلدان، في آسيا والشرق الأوسط، ومنها العراق، الذي جاءت تجربته متأخرة الى حدٍّ ما بالمقارنة مع بلدان أخرى، وقد تكون معدلات الفقر العالية في تلك البلدان هي التي ألجأتها إلى تأسيس مثل هذه الصناديق، لتكون أدوات وعوامل مساعدة في تمكين الشرائح الفقيرة من الوصول الى الخدمات الأساسيّة، ذات الصلة بالفقر متعدد الأبعاد.
وعلى الرغم من حداثة التجربة العراقيّة في إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية، الذي تأسس عام ٢٠١٦، وبدأ عمله فعليّا عام ٢٠١٩، إلّا أنَّ النتائج المتحققة حتى الآن قياسا بعمر التجربة، تعد جيدة، من خلال ما تمَّ تنفيذه من مشاريع التي بلغ عددها أكثر من ٦٠ مشروعا شملت نحو ثلاثين قرية في ثلاث محافظات هي المثنى وصلاح الدين، ودهوك في المرحلة الأولى، وفرّت تلك المشاريع المئات من فرص العمل لأبناء المناطق المشمولة، وهو بهذا أصبح يمثل شبكة للأمان الاجتماعي والاقتصادي، تلعب دورا مهما في تخفيف نسب البطالة والفقر، وهو بهذا التوصيف يعد عاملا مهما في تحقيق التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، في ظل الكثير من المتغيرات، في مقدمتها، التحول الاقتصادي من الاشتراكي الى الحر، وهذا يستدعي ايجاد سياسات تسهم في حماية الشرائح 
الهشة.
ولعلَّ من أسباب نجاح تجربة الصندوق في العراق، هي الآليَّة والفلسفة المختلفة التي جاء بها، والتي تقوم على مبدأ التخطيط من الأسفل إلى الأعلى، بمعنى إشراك المجتمعات المحليَّة المستهدفة في عملية اختيار وتنفيذ المشاريع الخدميَّة، وهذا الأسلوب من شأنه أن يُجسّر الثقة، بين الناس والحكومة، وإشعارهم بأنّهم يمثلون مرتكزا مهما من مرتكزات القرار والتنفيذ، لأنهم هم من يقومون بتحديد أولويات المشاريع، التي يحتاجونها، وتعزيزا لهذه الثقة، أجد من الضروري أن يذهب الصندوق في أعماله إلى نقاط أبعد مما يقوم به الآن، وأن لايقتصر عمله على تنفيذ المشاريع الخدميّة الصغيرة، مثل بناء مدرسة أو مد خط كهرباء، وتعبيد طريق وإنشاء محطة ماء، وهي ضروريّة وأساسيّة بكل تأكيد، إنّما بالإمكان الذهاب الى تحقيق التنمية الزراعيّة، من خلال تبنّي المشاريع التي تسهم في عملية النهوض بالقطاع الزراعي.
وأتوقع أن يكون لهذا الصندوق شأنا مهما في المشهد التنموي، لا سيما بعد أن شمل جميع المحافظات العراقيّة، إلا أنه مازال بحاجة الى تمكين مالي وبشري، يساعده في توسيع أعماله، وهذا الأمر ربما يتطلب رفده بملاكات متخصصة، وقبل ذلك تخصيص نسبة معينة من الموازنة العامة، لضمان تمويل مناسب للمشاريع الممولة من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية.