أحمد عبد الحسين
هناك من يجد تسليته الكبرى في الخوف، في بثه والتفرّج عليه. وهي تسلية محفوفة بالمخاطر لكنها ليست مخاطر شخصية، لن تهدد سلامته هو، ولولا ذلك لما تسلّى بها وانشرح لها قلبه. الأمر كمن هو مولع بمشاهدة أفلام الرعب. رعب الأفلام ممتع لأنه غير حقيقي. وشاشة التلفزيون تحجز المجرم الملثم عني وتبعد عن أنفي رائحة الدم. وكم هو جميل مشهد القتل ما دمت لست أنا القاتل ولا القتيل.
مع كلّ أزمة سياسية "وحياتنا سلسلة أزمات" يخرج تحت جنح الليل عشّاق أفلام الرعب ليتسلوا، يشيعون الخوف أولاً بتغريدات ظاهرها خطاب احتجاج وباطنها دعوة إلى الاحتراب واستثمار عراك السياسيين في ما بينهم لخلق عركة ملحمية كبرى بين الناس.
منذ أيام تضجّ مواقع التواصل بتغريدات يؤمن أصحابها بأنَّ الحرب الأهلية مقبلة لا محالة، وينشرون صوراً لمنشورات ألقيت في شوارع بغداد تخبرنا بأنَّ هناك عاصفة قادمة إلينا. والغريب أنَّ هناك سياسيين يغذّون هذه المخاوف بتصريحات منفلتة خالية من اللياقة والمسؤولية.
كثير من المدوّنين هؤلاء يريدون تشفياً بالساسة. لسان حالهم في ما يكتبون: هذا فسادكم أيها الساسة ارتدّ عليكم احتراباً أهلياً، وهذا ما أوصلتمونا إليه. لكنهم لو تنفّسوا بعمق لعرفوا أنَّ الكارثة إذا حلّتْ لن يكون أحد بمنأى عنها، بل ربما يكون السياسيّ نفسه أقلّ الناس ضرراً، فلديه ما يحميه من مال وسلاح ورجال، ولديه ما يبقيه بعيداً عن ساحة المعركة.
أعرف أنَّ الوضع في العالم كلّه وفي العراق خاصة أشبه ما يكون باليوم الذي يسبق القيامة. الجميع مقتنع بأنَّ كارثة ما على وشك الوقوع، لكنْ من الحصيف أن لا تكون أنت جزءاً من الماكنة التي تبثّ الرعب وتنشر هذه الرؤى القيامية.
أنهكتنا الحروب وصراعات الساسة واستئثارهم وأطماعهم وقلة عقولهم، وليس مناسباً أن تمعن أنت أيها المدوّن في تعميق ملامح الكارثة فتكون عوناً لهم.
الاحتراب ليس تسلية، وإذا وقع ـ لا سمح الله ـ فلن يكون فيلم رعبٍ بل الرعب نفسه متجولاً في أزقتنا وبين غرف بيوتنا.
فيا أخي أنا أخشى عليك أن تكون كمن يقتل نفسه ليخيف عدوّه!