الشعب.. الارض.. الحكم.. القيم في الدولة الحضارية الحديثة (٢ - ٢)

آراء 2019/03/25
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 

ثالثا: الحكومة

 

الحكومة هي المكون الثالث للدولة بعد الشعب والاقليم. وهي الجهاز التنفيذي الاكثر فعالية وتأثيرا في الدولة. وهي لا تتألف فقط من الوزراء الذين يشكلون الراس السياسي لها، وانما تتكون من كل العاملين التابعين لها. كما لا تتألف الحكومة من الفرع التنفيذي لها،فقط،  انما هناك الفرع التشريعي الذي يمثله البرلمان. فالطرفان يحكمان، طرف تنفيذي وطرف تشريعي. ويضاف اليهما المعارضة البرلمانية التي لا تشارك في الفرع التنفيذي مباشرة لكنها تمارس ادوارا كبيرا عبر الفرع التشريعي.

الحكومة في د ح ح حكومة مدنية. فهي ليست حكومة عسكرية و لاحكومة دينية. وهذا 
لا يلغي دور الجيش في الدولة ولا دور الدين في المجتمع. فهذه دوائر في الادوار لا يتقاطع بعضها مع البعض الاخر.
كما ان هذه الحكومة ديمقراطية بمعنى انها تتولى السلطة والحكم عبر انتخابات دورية تمنحها الشرعية؛ لكن هذه الشرعية معرضة للخرم اذا فشلت الحكومة في الانجاز الامر الذي يمنح البرلمان سلطة سحب الثقة منها.
قد تكون الحكومة الديمقراطية في د ح ح حكومة الحزب الفائز باغلبية الاصوات، وقد تكون حكومة ائتلافية، لكنها لا يمكن ان تكون حكومة محاصصة مهددة بالفيتو. في كل الحالات يحرص النظام الديمقراطي على وجود تعددية حزبية سليمة، وهذا يعني عددا معينا من الاحزاب وليس انفلاتا وافراطا في عدد الاحزاب.
الديمقراطيات طورت صيغا مختلفة للحكم. فهناك الحكومة الرئاسية، والحكومة البرلمانية، وغيرها. وهذا يعود الى طبيعة النظام السياسي الذي يتقبله المجتمع وينص عليه
الدستور.
لا تعمل الحكومة الديمقراطية في د ح ح دون اعلام حر يمارس الرقابة على الحكومة بطريقة مهنية تتيح للجمهور الاطلاع المستمر على الشؤون العامة. 
حكومة الدولة الحضارية الحديثة تتحمل قدرا كبيرا من توفير الظروف المناسبة لعمل #المركب_الحضاري بشكل منتج وفعال. يتالف المركب الحضاري من خمسة عناصر هي: الانسان، الارض، الزمن، العلم، العمل، اضافة الى القيم الحضارية الحافة بهذه العناصر. وتتحمل الحكومة في #الدولة_الحضارية_الحديثة مسؤولية خاصة ازاء كل واحد من هذه العناصر، كما قلت.
تتمثل مسؤولية الحكومة ازاء الانسان، وهو العنصر الاساسي في المركب الحضاري،  بالعمل المستمر على الارتقاء بحياته ورفع مستواها، وتوفير الخدمات له، وحفظ كرامته، وحفظ حقوقه، واحترام خصوصيته، ومعاملة جميع المواطنين بالعدل والمساواة ورعايته من الرحم الى اللحد.
وتتمثل مسؤولية الحكومة ازاء الارض بالدفاع عنها، وحماية حدودها من الاختراق والانتهاك، والحفاظ على جماليتها ونظافتها البيئية، والحرص على ثرواتها. 
وتتمثل مسؤولية الحكومة ازاء الزمن باحترام زمن المواطنين بتحسين وتبسيط وتسهيل اجراءاتها، وتحديد وقت لانجاز معاملات المواطنين معها، والعمل وفق جدول زمني يعرفه المواطنون.
وتتمثل مسؤولية الحكومة ازاء العلم بتشجيع طلب العلم والعلماء ووضع نظام تربوي وتعليمي مواكب للتطور ومستجيب لمتطلبات الحياة في د ح ح والعالم وتحسين بيئة التعلم في المدارس والجامعات.
وتتمثل مسؤولية الحكومة ازاء العمل بتشجيع المواطنين على العمل، وتوفير فرص متكافئة لهم، وحماية حقوق العاملين في اطار منظومة قانونية تضمن ذلك.
وتتمثل مسؤولية الحكومة ازاء القيم الحافة بالمركب الحضاري بالعمل على نشرها في المجتمع والتاكد من مراعاتها من قبل المواطنين بالطرق الاصولية القانونية.
 
رابعا، القيم
النظام القيمي الذي تستند اليه #الدولة_الحضارية_الحديثة، وخاصة تلك القيم الحافة او المصاحبة لعناصر #المركب_الحضاري، هو اهم ما يميز د ح ح عن غيرها من الدول، بل هو ملاك التميز. ان العرض الوصفي الذي قدمناه في الاسطر السابقة عن مكونات الدولة المعروفة وهي الشعب والارض والحكومة انما هو نتاج النظام القيمي الذي تستند اليه د ح ح. وهذا هو جوابي للذين يقولون انهم لا يجدون مصطلح الدولة الحضارية الحديثة في كتب القانون الدستوري وغيرها، لان العبرة ليست بما هو موجود في الكتب، انما بما هو موجود في ارض الواقع، فاذا وجدت دولة تحرص على نظام القيم بالمعنى الذي نشرحه هنا فهي دولة حضارية حديثة.
نظام القيم هو مؤشرات سلوك للتصرف المطلوب من الافراد والمجتمع والدولة ازاء عناصر المركّب الحضاري الخمسة وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل. تتعلق القيم اذاً بشكل اساسي بعناصر المركب الحضاري الخمسة، كما تتعلق بعلاقة الانسان مع الطبيعة، وعلاقة الانسان مع اخيه الانسان. وبصورة عامة اقول ان القيم تتعلق بكل المفردات الموجودة حول الانسان، ابتداءً من الافراد وانتهاء بالدولة ومرورا بسلسلة طويلة من الاشياء والمفردات.
  هذه العناصر موجودة في كل المجتمعات، لكن نظام القيم ليس موجودا في كل المجتمعات على مستوى واحد، لذا نجد مجتمعات متقدمة واخرى متخلفة، ومجتمعات حسنة التنظيم واخرى سيئة التنظيم، ومجتمعات منتجة واخرى استهلاكية، ومجتمعات ايجابية واخرى سلبية. وهكذا. ولكلِّ درجات مما ذكرنا.-
وتقاس حضارية الدولة بمدى تحقق الالتزام بالنظام القيمي.
يضبط سلوك الانسان قوتان: واحدة من خارجه، والثانية من داخله. اما القوة الخارجية فهي قوة القانون الصارمة؛ واما القوة الداخلية فهي الالتزام الذاتي الذي تخلقه القيم. 
ومن شأن هذه القيم ان تصنع المواطن الفعال الايجابي، والمجتمع حسن التنظيم المنتج، والدولة الحضارية العادلة.
وتمثل القيمُ الثقافةَ السائدة في المجتمع، والتي يتوارثها الابناء عن الاباء مع ملاحظة التحولات التاريخية والمجتمعية، وترعاها الدولة من خلال نظامها التربوي. يتكفل هذا النظام بتنشئة الاطفال على هذه القيم، وتربيتهم تربية حضارية حديثة متقدمة. ولهذا تولي الدول الحضارية الحديثة اهتماما كبيرا للجانب التربوي وتبذل اموالا طائلة في هذا المجال. 
وقد بداتُ بدعوة الدولة العراقية الى الاهتمام بهذا الجانب منذ عام 2004 ولكن دون مجيب، الامر الذي ادى الى تراجع المستوى التعليمي والتربوي بشكل خطر على مستقبل المجتمع ونظامه القيمي.
واسجل هنا امرين مؤسفين جدا: الاول ان النظام القيمي في المجتمع العراقي تعرض الى تشققات وانهيارات منذ تولي حزب البعث  السلطة والى الان، والثاني ان النظام الجديد في العراقي لم يهتم بهذه المسالة بالشكل والمحتوى المطلوبين. 
وكان ينبغي ان تضع وزارة التربية ستراتيجية تربوية تغطي 12 عاما من عمر الطفل العراقي. 
ان اكثر الدول ليبرالية لا تترك المجال التربوي يتيه في دروب المجتمع، لان هذا معناه ضياع المجتمع والفرد.
قبل قيام د ح ح، كما هي حال مجتمعنا الان، فان النظام القيمي والتربوي الجديد يولد على ايدي الافراد الواعين الحضاريين الذين امنوا بالدولة الحضارية الحديثة قبل قيامها. وينشط هؤلاء لبث هذه القيم وتربية افراد اخرين عليها حتى يصبحوا جماعة حضارية متميزة. وتبدأ هذه الجماعة بالتاثير في بقية قطاعات المجتمع ويصبح التغيير الاجتماعي حقيقة قائمة تؤثر في الدولة ذاتها ويبدأ افراد هذه الجماعة الحضارية بالوصول الى مرافق الدولة التشريعية والتنفيذية والادارية تدريجيا، بالطرق الاصولية 
والقانونية.