{بلفاست}.. ملحمة الارتباط بالوطن والحب وأحلام الطفولة

الصفحة الاخيرة 2022/06/20
...

  محمود عبود*
بلفاست فيلم بريطاني إنتاج عام2021، سيناريو وإخراج كينيث برناه، بطولة الطفل جودي هيل، وصاحب الـ17 عاماً  لويس مكاسكي و كاتيريونا بالفي، و جايمي دورنان، والمخضرمين سياران هيندز، و جودي دينش.
ظلم "بلفاست" حين حصل على الأوسكار كأفضل سيناريو أصلي فقط من أصل 7 ترشيحات، لأن صناع العمل قدموا لنا ملحمة فنية متميزة، وأيقونة سينمائية متفردة.
بدا جلياً أن المخرج مولع بالمكان، إذ افتتح فيلمه بلقطات بانورامية للمدينة التي بدت في نسق حضاري بديع، ثم تظهر كلمة "بلفاست" لتأخذنا الكاميرا بعد ذلك إلى جداريتين تعبران عما هو قادم من أحداث، ومن فوق الجدارية الثانية نرى شارعاً صغيراً ثم يظهر تاريخ ذلك اليوم 15 آب1969.. 
ننتقل لشارع آخر تظهر في جنباته حياة الناس، و سيدة ممشوقة تنادي: "بادي"، لنرى صغيراً لم يتجاوز العاشرة، يقدمه المخرج لنا في صورة الفارس النبيل المنتظر، فنراه ممسكاً بيده سيفاً خشبياً ودرعا ًمعدنيًا، يبارز وينتصر على التنين الذي هو في الحقيقة إحدى الفتيات من جيرانه..
وفجأة يسمع ضجيج وصخب، وأصوات متداخلة يقول بعضها: "أدخلوا الأطفال"، "ابتعدوا عن هنا ارحلوا .. لا نريد أي مشكلات".
وفي الوقت نفسه نجد الكاميرا تدور حول "بادي" لنشاهده مذهولا وهو يرى مجموعة من الملثمين يحملون أسلحة بيضاء وعصي ويلقون زجاجات حارقة في كل مكان فيدمرون ويحرقون بعض البيوت والسيارات، وبينما "بادي" وسط حشود المخربين وأعمال عنفهم، تظهر الأم مسرعة نحوه تحمله محتمية وإياه بالدرع مما يلقيه المخربون من حجارة وغيرها، وبالكاد ينجوان عندما يدخلان منزلهما.. 
تعلن نشرات الأخبار أن ما يحدث هو عمليات اعتداء عرقي من البروتوستانت على الكاثوليك الذين يعيشون بينهم لطردهم خارج "بلفاست" وهي الأحداث المؤسفة التي استمرت لنحو 30 عاماً بعد ذلك التاريخ .. 
تتأزم الأوضاع بالنسبة لأسرة "بادي" حينما يُخير زعيم المتطرفين الأب بين الانضمام لهم لطرد الكاثوليك أو دفع المال تنفيذا لذلك، ويرفض الأب الطلبين وتصبح الأسرة عرضة لاعتداءات المتطرفين، ما يدفعه للتفكير بالهجرة، وهي الفكرة التي لاقت رفضا كبيرا من الأم ومن "بادي" الذي أخذ يصرخ رافضا مغادرة بلفاست وترك جده وجدته، وأصدقائه وجيرانه ومدرسته وزملائه وطموحه في الصعود للقمر.
ومع محاولات المتطرفين استقطاب "بادي" و "هيل" للانضمام إليهم في عمليات السلب والتدمير، يطرح الأب فكرة الرحيل مرة أخرى لكن "بادي" وأمه ما زالا يصران على الرفض.
وحينما ينجو الصغير وأمه بأعجوبة من القتل، إضافة لموت الجد "بوب" مريضا بالمستشفى، يدرك "بادي" وأمه أن الرحيل عن بلفاست صار السبيل الوحيد لبقائهم جميعا على قيد الحياة.
على مستوى الحبكة الدرامية قدم الفيلم أسرة "بادي" نموذجا للوسطية على الرغم من فقرهم، فالأب والأم شابان يحبان بعضهما ويحبان الحياة والأهم أنهما يعتمدان الحوار والمصارحة أسلوبا لحياتهما خاصة في تربية الأبناء..
استطاعت "كاتيريونا بالفي" أداء دور الأم المتحملة لمسؤولية أسرتها بشكل رائع، فنجدها قلقة ومهمومة طوال الوقت بمشكلات الزوج والأبناء وتبادر لحلها، وتميز أداؤها بالبساطة وعدم المبالغة.
" جايمي دورنان" عرف أبعاد شخصيته حق المعرفة، فكان الأب المتفاني في العمل من أجل أسرته وحمايتها، وكان صوت العقل هو الغالب على قراراته..
الجد "بوب" والجدة "جراني" كان أداؤهما عبقريا ومتكاملا، في دلالة على ما خلقته العشرة الطويلة بينهما من تفاهم، وأرى أن "سياران هيندز" استحق الأوسكار كأفضل ممثل مساعد والتي رُشح لها ولم ينلها.
أما "جودي هيل" أو "بادي" فقد استطاع هذا الصغير الذي ولد وتربى وعاش سنوات عمره القليلة في عصر الثورة المعلوماتية أن يقنع المشاهد أنه يُفكر ويُحب ويحلم بعقل وقلب طفل ولد في أوائل ستينيات القرن العشرين، من خلال طريقة وإيقاع كلامه وحركاته.