علي لفتة سعيد
المسموطة أو كما يلفظها اهل الجنوب (المصموطة)، أكلة قد تعد لغير الجنوبيين غير محبّبة، لكنها لدى سكان الأهوار والمنحدرين من قرى الجنوب تعد أكلة لذيذة، تقدم حتى في الأعياد للضيوف، ويتجمع حولها أفراد الأسرة في المناسبات، بعد أن كانت أكلة عامة أيام كان السمك يزيد عن حاجة الناس، فتلجأ الأسر الى تجفيفه ليشم الجميع رائحته، لكنها مع انحسار المياه وقلة أعداد الأسماك في البحيرات والأنهر تحولت أكلة (المسموطة) الى أكلة مناسباتية، يشتاق لها من تعود طعمها كمن يأكل اللحم المقدد في بلدان العالم المختلفة، وكأنهم يبقون التاريخ من سومر حتى الآن، حيث تعود جذور هذه الاكلة. فما هي المسموطة وكيف تحضر؟.
الوفرة وطريقة التحضير
يؤكد الباحث مرتضى الأوسي أن هذه الأكلة الجنوبية بامتياز لم تكن وليدة حصار أو حرب أو فاقة، بل هي أكلة سومرية كما دلّت عليها الآثار، التي تمَّ العثور عليها في أحد المواقع الاثرية، حيث وجدوا رقيما أو رسما على حجر يبين أكلة السمك. ويضيف أن هذا الرقيم المكتشف يبين أن أغلب عادات وأكلات أهالي الجنوب لها امتداد سومري خاصة أن البحر أو المياه كما هو معروف كانت تصل إلى حدود أور، بما يعني أن الثروة السمكية كانت كبيرة. ويبين إلى أن هذه الكثرة والصيد الوفير جعل الناس تفكّر بتجفيف السمك وتعريضه الى الشمس، من أجل قتل كل الفايروسات أو المكروبات، التي قد تسبّب بها عملية التجفيف. مثلما يعد طعاما مخزونا لأيام البرد أو الحروب أو حتى المرض الذي قد يصيب المنطقة.
أكلة شتوية
وهو ما يؤكده الأديب شوقي كريم، حيث يقول إن المسموطة أكلة سومرية تمتد إلى 14 ألف عام ذلك لأنها منتج المناطق المائية، التي يشكّل السمك أساسها الاقتصادي. ويضيف أن المرأة السومرية كانت تعمل على تعليق شريط من الأسماك وتعرّضه للشمس لمدة شهر أو أكثر، حتى يجف الماء ويتيبّس تماما، ثم يحفظ في أمكنة طينية تسمى (السدانة)، حيث تغلق من الأعلى، مشيرا الى أن المسموطة أكلة شتوية، وليست صيفية وتتكوّن من السمك اليابس، وبعض من البهارات والكركم والبهارات والبصل وبعض الملح، الذي يعطيها طعما آخر، ومضى يقول إن هناك طريقة أخرى لتحضيرها باستخدام معجون الطماطم والقليل من الرز وتسمى المهروثة، والتي تعني أن السمك لا يقدّم كاملا أو منصفا مثل المسموطة بل شبه مهروس.
من سومر وترغيب السياح
من سومر حتى الآن والأكلة هي ذاتها والتسمية ذاتها (المسموطة)، وهو الأمر الذي يتحدّث به الجميع بطريقة من يعدّها تراثا وفخرا وطعاما، لا يحتمل الانتقاص كما يحاول البعض. وهو ما يؤكده خبير الاثار من ذي قار عامر عبد الرزاق، الذي يشير الى أنه تمَّ العثور في مدن أور ولكش وبعض المدن السومرية المطلّة على الأهوار على رسوم للسمك المجفف (المسموطة)، موضحا، أن تجفيف السمك الآن يستمر لنحو أسبوعين، حتى تتيبّس السمكة تماما وتكون خالية من الماء، ثم تغسل وتوضع عليها كمية من الملح الذي يعالج كل الأشياء، التي قد تتعرّض لها السمكة المجفّفة، ثم توضع في قدر ويضاف لها التوابل، قبل أن توضع على نار هادئة لمدة نص ساعة، لتعم الرائحة أرجاء المكان. ويشير الى أنها تفضّل صفراء رغم أنه بالإمكان إضافة أشياء أخرى، كما يرغب من يحب هذه الأكلة أو لتخفيف طعمها عند من يتذوّقها أوّل مرّة.
اشتياق
ولكن مع انحسار المياه وقلّة الأسماك وما تعرّضت له الأهوار من عمليات تجفيف، بسبب الحروب أو جفاف بسبب قلّة المياه، وبسبب الأنواع المتعدّدة للأسماك، فإن الطعم يختلف رغم التشابه في طريقة الإعداد والطبخ. ويقول الباحث علي الأسدي من أهوار ذي قار: إن لا نوع محدّداً لهذه الأكلة، ولكن في الوقت الحاضر فإن ما يتم استخدامه هو الكطان والبني والشانك والشلك والحمري والخشني والسمتي، وهو الأمر الذي يعني عملية اختلاف الأذواق، فكلّ محب لهذه الأكلة له نوع معيّن من السمك المفضل. ويضيف إن السمك سابقا للنوع الكبير، والآن حتى صغار الأسماك التي تسمى الزوري أو أبو خريزة، لأن المهم طعمها والمحافظة عليها وليس فقط كمية اللحم، مشيرا الى أن البعض قد لا يستسيغ هذه الأكلة أو لا تعجبه رائحته أثناء عملية التجفيف، لكن الآن وهي تقدّم الى السياح الباحثين عن الأطعمة السومرية، فإن الأغلب ما أن يتذوّقها حتى يغيّر رأيه وحسابته، مشيرا الى أن الكثير من العراقيين من الأصول الجنوبية المهاجرين، أو الذين انتقلوا الى مدنٍ عراقية أخرى كالعاصمة بغداد، يعودون في الأعياد إلى مساقط رؤوسهم ليتذوّقوا هذه الأكلة، خاصة في الأعياد والمناسبات المختلفة.