حسن العاني
بعبارة واضحة وعلمية ودقيقة بدأ الأستاذ الدكتور المغترب مصطفى درويش المسعودي محاضرته التراثية قائلاً [ما دام التطور هو سمة الحياة الأزلية وقانونها السرمدي، فلماذا لا يكون الأمراء خاضعين لهذا القانون الكوني؟!]، وبعد أن انتهى من مقدمته التي تناول فيها (الأمير والأمراء والإمارة) والجذر اللغوي لهذه المفردة، انتقل إلى صلب الموضوع قائلاً: ما يعنيني هنا على وجه التحديد هو (الأمير) الذي كان يمثل في العصر الجاهلي (منصباً معنوياً) لا يتم الحصول عليه بالتعيين أو التدرج الوظيفي أو الواسطة أو الانقلاب العسكري أو الانتماء الحزبي، ففي ذلك الوقت لم تكن البادية تعرف الإرادة الملكية أو المرسوم الجمهوري أو المحاصصة، كما لم يكن هذا المنصب بضاعة تباع وتشترى كما هي الحال على أيامنا، ومن هنا فإن الأمير في حقيقته (لقب) عشائري أو قبلي، و(عنوان اجتماعي)، وحامله يتحلى بجملة مواصفات في مقدمتها أن يكون من (علية) القوم أصلاً وحسباً ونسباً، ومن أوفرهم مالاً وأكثرهم كرماً وأشجعهم موقفاً وأصدقهم قولاً و ألا تكون ثروته قد جاءت عن طريق الغصب أو الرشوة أو الفساد المالي، وقبل ذلك كله فلن يكون الأمير أميراً إذا لم ينفق من ماله الخاص على المحتاجين ويطعم الفقراء ولا يرد السائل، وقد ظل الأمر على هذا النحو حتى قامت الدولة الأموية في الشام، إذ تغيرت (هوية) الأمير بصورة جذرية، ولعل التغير الأبرز والأسوأ الذي طرأ على شخصيته، أن لقبه لم يعد (معنوياً)، بل أصبح (وظيفة) رسمية بمواصفات جديدة، منها أن هذه الوظيفة تعني مركزاً كبيراً من مراكز السلطة، ولن يحصل على هذا المركز أو يحظى به إلا أحد أفراد الأسرة الحاكمة، أو الموثوق بولائه لها، ويفهم من هذا أن منصب الأمير يتم بالتعيين حتى وإن كان أبخل من بخلاء الجاحظ.. الخ.
على أن أسوأ ما في هذه الهوية الجديدة يكمن في أن الأمير بات لا يهب ولا يصرف ولا يعطي ولا يجود ولا يكرم ولا يقطع لسان شاعر ولا يقيم وليمة ولا يذبح عجلاً أو خروفاً أو دجاجة من جيبه وخالص ماله، وإنما من (بيت المال) أي (بيت مال المسلمين) أي (الخزينة المركزية) بلغة العصر، ولذلك قالوا: وهب الأمير ما لا يملك.. شيء أخير – قال المحاضر – أود أن أنهي به كلامي وهو: الرجاء الرجاء عدم الخلط بين من يتصرف بأموال الدولة في أيامنا هذه، على هواه وكأنها أمواله الخاصة أو أموال الذين (خلفوه)، وبين من يقود مجموعة إرهابية ويذبح الناس، فكلاهما من باب المصادفة يحمل لقب أمير!.