حميد منصور يسرق طالب القره غولي

الصفحة الاخيرة 2022/06/22
...

سامر المشعل 
 

لم يكن الملحن الكبير طالب القره غولي مقتنعاً بصوت المطرب حميد منصور، وكلما طلب منه أن يلحن له، يقول له "صوتك لم يرتكز بعد"، لذلك تأخر تعامله معه إلى العام 1986 ولم تتولد القناعة التامة للقره غولي بالتلحين لصوته، لكن توفرت لحميد منصور فرصة تاريخية، استغلها بحيلة ودهاء، وفرض نفسه على القره غولي ليطبع الأخير فيض إبداعه على صوته لواحدة من أجمل أغانيه وهي أغنية "يم داركم" . وراء هذه الأغنية حكاية لا تخلو من الإثارة والمتعة، كما يرويها مطرب الأغنية نفسه، والحكاية تعود إلى العام 1978 عندما أقيم حفل فني كبير في نادي الصيد العراقي، دعي إليه عدد من نجوم الغناء، ومنهم الفنان الكويتي عوض دوخي، والمطربة الإيرانية كوكوش وآخرون، وبعد انقضاء الحفل في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، طلب القره غولي من منصور أن يرافقه إلى بيته، لأنه "عازم" عوض دوخي في بيته، وقد أعد له الأكلات والمقبلات ومستلزمات السهرة، وأثناء الجلسة طلب القره غولي من عوض دوخي أن يستمع إلى لحن أعده له، ثم عزف وغنى "يم داركم"، لكن عوض دوخي لم يقتنع بالأغنية قائلا لطالب: "بإمكاني أن أغنيها، أنا أغني لأم كلثوم، فلا تصعب عليّ هذه الأغنية، لكنها لا تتلاءم مع لوني الذي أغني فيه".
ثم طلب القره غولي من دوخي أن يستمع إلى لحن آخر، كان قد هيأه له، ثم أسمعه أغنية "اعذرني ولا تزعل" للشاعر الكويتي عبد اللطيف البناي، وقد استحسن دوخي الأغنية الثانية، وقال "هذه ممكن أن أغنيها". وبعد أن استبد بهما النعاس والتعب ذهبا للنوم، وتركا الكاسيت في جهاز التسجيل، فأخذه الفنان حميد منصور ووضعه في جيبه!. وظلت الأغنيتان عند حميد منصور، الذي كان متحمساً لغناء "يم داركم" والقره غولي يؤجل الموضوع، حتى منتصف الثمانينيات، عندما أمر وزير الثقافة آنذاك الفنانين بالتسجيل لشركة بابل. يقول حميد منصور بعد الاتفاق على غنائها أجرينا عدة تعديلات على نص الأغنية، وأسكنا شاعرها كاظم الرويعي بالفندق لمدة شهر كامل، حتى ظهرت بالشكل الذي سمعه الناس. وللفنان طالب القره غولي قصة عاطفية مع هذه الأغنية سكب فيها مشاعره المجروحة وكلما سمعها من مطرب آخر يبكي، وقد وضعها على مقام الحجاز، الذي يجمع بين الشجن والعاطفة والنجوى، واستخدم فيها إيقاعاً عدنياً. ولم يكتف منصور بهذه الأغنية أنما فاجأ القره غولي، بأغنية "اعذرني ولا تزعل" الذي أراد أن يغنيها، فتفاجأ وقال له "من أين لك هذه الأغنية" فأخبره بالقصة، والمفارقة أن الأغنية غير مكتملة فاتصل القره غولي بشاعرها عبد اللطيف البناي، ليكتب الكوبليه الأخير "يا احلى واجمل طيف نور دنيتي... " وقد لحنه على مقام البيات الحسيني، وكان من أجمل مقاطع الأغنية. ليتوج الفنان الكبير حميد منصور تجربته بأغنيتين رائعتين من ألحان طالب، جاءت من خلال سرقة بيضاء تحسب في ميزان إبداع وذكاء مطربها.