حكومة غير مدعومة

العراق 2022/06/22
...

أحمد عبد الحسين
 
قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أول أمس "حكومتي ليست مدعومة سياسيّاً".
تبدو الجملة صادمة. ومَنْ يتابع صفحات التواصل العراقية ستكون صدمته أكبر، لأنّ هذه الحكومة اخترع لها المدوّنون منذ تشكيلها داعمين كثراً فهي حكومة صدريّة عند مَنْ يريد أنْ ينبز من الصدريين، وهي حكومة تشرينيّة عند من آلمتْهم تشرين، وهي أخيراً حكومة توافق الأحزاب التقليديّة بنظر الناشطين المحتجين.
والحقيقة هي لا هذه ولا تلك. فإذا تذكرنا المناسبات التي حظيت فيها الحكومات السالفة بدعم حزبيّ منقطع النظير فسنجد أنّ جملة الكاظميّ التي تستبطن أسى واضحاً؛ جملة صحيحة تماماً.
في كل الهزّات التي تعرضتْ لها الحكومات المتعاقبة كان هناك على الدوام مَنْ يعضد الحكومة ويسندها لئلا تهتزّ. نتذكر في 2011 كان رئيس الحكومة يطلب من المحتجين أن يمنحوه مهلة 100 يوم فقط ليثبت لهم أنه جادّ في إصلاح الوضع. كنّا في غمرة الربيع العربيّ الذي أخاف حتى الديكتاتوريات العسكرية "ليبيا وتونس ومصر وسوريا" فكيف بحكومة في ديموقراطية ناشئة؟ لكنّ المدد سرعان ما أتى الحكومة من جهتين هما الأقوى: من المرجعية أولاً ومن السيد مقتدى الصدر الذي منح الحكومة ستة أشهر بدلاً من المئة يوم.
في 2015 ومع احتجاجات أخطر وأكبر، وضعتْ الأحزاب ثقلها كلّه في خدمة "إصلاحات" حكومة حيدر العبادي، حتى أنّ تظاهرة خرجتْ تؤيده وتذكّره بنصيحة المرجعية له: اضرب بيدٍ من حديد. ولم نرَ حديداً ولا حدّاداً.
في 2019 تكرر الأمر وكانت الأحزاب بتصريحاتها ومواقفها تقف صفاً كأنهم بنيان مرصوص مع الحكومة وهي تواجه شبّاناً عزّلاً. وفي المحصلة فإنّ السياسيين قدّموا للحكومات كامل دعمهم، وهم حين ساندوها كان هدفهم المعلن الحفاظ على العمليّة السياسيّة، أما اليوم والعملية السياسيّة تكاد تحتضر تحت وطأة المصالح الحزبية والشخصيّة الضيّقة فإن الحكومة لا داعم لها حقاً. وتأكد الأمر أكثر وأكثر بعد انسحاب الصدريين من البرلمان فهم كانوا أكثرهم تعاوناً معها وأقلّهم انتقاداً.
لم يمرّ على العراق حكومة متروكة لشأنها إلا هذه الحكومة. لا يكتفي الساسة "ومدوّنوهم طبعاً" بالتبرؤ منها والتنصّل عنها، بل يستخدمونها حطباً في أتون منصات التواصل المستعرة على مدار الساعة، وكلّ منهم ينسبها لحساب غريمه.
بقليل من تنشيط الذاكرة نكتشف فعلاً أن لدينا ولأوّل مرة حكومة غير مدعومة!.