ذاكرة معطوبة

الصفحة الاخيرة 2022/06/23
...

حسن العاني
بعد سنوات قلائل على ثورة التاسع من نيسان المجيدة!، عاد صديقي سلمان الصالح من الخارج، ولهذا سارعت إلى زيارته، وأمضينا وقتاً ممتعاً في استذكار أيامنا الحلوة، كنا نعمل في مطبوع واحد، وهو إعلامي محسود، لأنه يتقاضى راتباً شهرياً قدره (60 ديناراً)، ويكتب للإذاعة برنامجاً يتقاضى عنه (90 ديناراً)، ويعمل مراسلاً صحفياً لإحدى الجرايد الأجنبية بمبلغ مقطوع قدره (100 دولار) شهرياً، وكنت أمزح معه قائلاً [يا رجل ما تحصل عليه شهرياً، أعلى من دخل أية راقصة غجرية]، وطالما ضحكنا، ومع ذلك قرر السفر لحصوله على عقد عمل في المطبوع الذي يراسله بأجور لا يحلم بها.
حدثني الصالح طويلاً عن رحلته ومتعة مغامراته و(عاطفياته)، وأخبرني بأنه استطاع توفير ما يكفي لشراء بيت فخم ومركبة حديثة، هذا غير مبلغ طيب في المصرف فأفرحني الخبر جداً، وسألته عن الجهة الإعلامية التي يفكر أن يعمل فيها بعد عودته، وعرضت عليه العون بحكم علاقتي الطيبة مع عدد من رؤساء التحرير ومسؤولي الفضائيات، الذين لن يردوا لي طلباً جزاهم الله ألف خير!
ابتسم ابتسامة عريضة وضربني بجمع يده على صدري وقال [لم تتغير يا صديقي.. ما زلتَ غشيماً على عهدي بك.. لقد تمّ تعييني براتب محترم ومنصب محترم، كوني من المفصولين السياسيين!!]، لا أدري كيف فقدت السيطرة على لساني ولماذا تشوشت أفكاري وقلت له متسائلاً بين الدهشة والارتباك [من الذي فصلك سياسياً؟! لقد كنت واحداً من المحسودين.. وانت الذي قدمت استقالتك وتركت العمل بكامل إرادتك! ماذا جرى لك يا سلمان.. هل وصل الأمر بك إلى حد الادعاء والكذب على الدولة؟].
ضحك الرجل هذه المرة بصوت عالٍ وهو يرد عليّ [حقاً انت غشيم بامتياز... الحكومة أو الطبقة السياسية على وجه الدقة، هي التي طلبت منا أن نكذب ونتقدم بطلبات نزعم فيها أننا مفصولون سياسيون!!]، سألته وقد تلبسني الغضب، [منذ متى وأنت تستمع إلى طلبات الطبقة السياسية.. أنا لا أصدق ما تقول]، وبدلاً من أن يرد على سؤالي، اكتفى بالنظر إلى وجهي قبل أن يقول، [معقولة انك لا تدري ماذا يدور في البلد وماذا يجري وراء الكواليس؟]. 
اللعنة على ذاكرتي، فهي لم تكتفِ بخذلاني فقط، بل راحتْ كذلك تنسى أبسط الحقائق التي يعرفها الجميع، ولهذا فأنا لستُ واثقاً إن كان الصالح قد عاد من الخارج، أم إن الحكاية من ألفها إلى يائها هي من تهيؤات ذاكرة معطوبة!.