مهمّة ملحميّة

العراق 2022/06/25
...

أحمد عبد الحسين
كلّ حكومة جديدة لن يُكتَبَ لها النجاح إلا إذا سعتْ إلى أنْ تُنسي العراقيين السياسة، وأنْ تعمل ما أمكنها لكي لا يكون الحديث السياسيّ هو خبز العراقيين اليوميّ كما هو حاصل الآن. وذلك لن يحصل إلا بتنشيط الاقتصاد الكفيل بالقضاء على البطالة.
في سنوات الوفرة المالية التي مرّتْ على العراق، عمدت الحكومات إلى توظيف أكبر عدد من الناس لشراء ولائهم من جهة وللتغطية على فشل عميم في تنشيط سياسة اقتصادية استثمارية، وعدم القدرة على "والرغبة في" تحقيق مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية تستوعب البطالة والبطالة المقنّعة، والعجز عن تشجيع القطاع الخاص من خلال استحداث قوانين تساوي العاملين فيه بذوي القطاع العامّ الذين يتوافرون على امتيازات كثيرة أبرزها التقاعد والضمان الصحيّ.
زادتْ شعبيّة رؤساء الحكومات، لكن بالتزامن مع زيادتها تضخّم الجهاز الحكوميّ بصورة مرعبة، وتضاعفت الأعباء المالية والإدارية التي أرهقت الدولة، أمس واليوم وغداً، وستحمل الحكومة الجديدة هذا الإرث الثقيل هدية فادحة ممن سبقها.
اليوم أيضاً يمرّ العراق بوفرة ماليّة نسبياً وإنْ كانت لا تقارن بالميزانيات "الانفجارية" السابقة. لكنّ هناك خزيناً يبلغ 100 مليار دولار، وإنتاجاً نفطيّاً يدرّ أكثر من 10 مليارات دولار شهرياً، ما أسهم في انتعاش أداء احتياطات البنك المركزي. فإذا عمدت الحكومة العتيدة المنتظرة إلى انتهاج سياسة الحكومات اللواتي سبقتها في تضخيم التعاطف معها من خلال تضخيم الجهاز الحكومي فإنَّ أعباء أخرى مضافة ستخنق الدولة أكثر فاكثر.
إذا أضفنا أعداد المتقاعدين إلى جيش موظفي الدولة فسنرى أنَّ الحكومة تدفع رواتب لما يشكّل 18 % من مجموع الشعب، وهي أكبر نسبة في العالم كلّه.
أمام الحكومة العتيدة مهمّة ملحمية تتمثل في تبني سياسة استثمارية مغايرة تنشط الصناعة والزراعة بالتزامن مع إعادة هيكلة الجهاز الحكومي وتحويل كثير من موظفي الحكومة إلى مؤسسات إنتاجية ذات جدوى اقتصادية.
بهذا وحده، سيكفّ العراقيون عن إدمان الحديث السياسيّ المكرّر حدّ الابتذال والذي لم ينتج سوى الولاءات والولاءات المضادّة التي طالما كانت سبباً في الاحتراب.