انسداد مائي

الصفحة الاخيرة 2022/06/27
...

عبد الهادي مهودر
يتبادل العراقيون أخبار دخول العواصف الترابية إلى مدنهم الواحدة تلو الأخرى وسط استسلام تام للأمر الواقع، بينما يتواصل عقد الاجتماعات وتقديم الدراسات والبحوث والرؤى عن مخاطر الجفاف والتصحر في بلد يحب الاستعراضات (الشو والداتا شو) وبات الكل يطلقون التحذيرات بوجه المواطن الكريم، فماذا على المواطن أن يفعل غير الجلوس في البيت وغلق الأبواب والنوافذ وهو الذي لا يملك غير الدعاء وخزان ماء صغير؟ حتى أصبحت القضية مشابهة لحديث السياسيين عن ظاهرة الفساد التي تجعل المواطن يشك بنفسه وكأنه هو المقصود والمسبب، لكن السياسيين يخجلون من مصارحته بالحقيقة، ومن كثر الحديث عن أسباب الجفاف والتصحر بات المواطن العراقي قادراً على الظهور في القنوات الفضائية للحديث بطلاقة عن أسباب هذه الظواهر وطرح الحلول والمعالجات والرؤى كأي مختص وكأي محفوظة عن ظهر قلب، ويمكن تقديم أي مواطن بصفة خبير ومحلل ستراتيجي في قضايا البيئة والمياه وفوائد المساحات الخضراء، فالمواطن يعلم أن دول المنبع لا تراعي حصتنا المائية وتنشئ السدود وتغير مجرى الأنهار، وسمع ذلك مراراً وتكراراً من جميع السادة وزراء الموارد المائية والخبراء ومنذ عهود ما بعد الاحتلال البريطاني والاستقلال عن الدولة العثمانية، علماً أن حكومات الشيخ عبدالرحمن النقيب الأولى والثانية والثالثة كانت تخلو من وزارة الري أو الموارد لأن المياه في ذلك الزمان تجري وعين الله ترعاها، ولأن تشكيل الحكومات في العهد الملكي كان أسهل من الماء ولا تعاني انسدادات سياسية ولا مائية كالتي نعيشها اليوم، فقد حل عبدالمحسن السعدون بديلاً عن عبدالرحمن النقيب حتى حصوله على الولاية الرابعة، وكان تفكير العراقيين في ذلك الزمان منصباً على حصتنا النفطية وليس المائية ولم يدر بخلدهم أن برميل الماء يمكن أن يكون أغلى من برميل النفط وأن الجفاف يمكن أن يضرب بلاد ما بين النهرين ويمكن أن نمثل فيلم (الظامئون) ويصبح الري بالتنقيط والتقطير وتغزونا العواصف الترابية طولاً وعرضاً وينصحنا المتنبئ الجوي بعدم السفر ليلاً عند هبوب العواصف، وعلى الرغم من كل الجهود والمحاولات لا يبدو أن شبح الجفاف سيغادر العراق بسهولة فدول المنبع تمسكنا من اليد التي توجعنا وإلى الأبد ودولة المصب تحت الرحمة ولا تقابل الجار بالمثل ولا تحل المشكلات المتعلقة بسوء استخدامنا للمياه وتحويلها إلى سلة مهملات، وأمانة بغداد تواصل سقي الزهور الرقيقة بخراطيم  (التناكر) المتوحشة ثم تدعو المواطنين الكرام إلى ترشيد استهلاك المياه.