علي حمود الحسن
رفض الجمهور المصري والعربي اعتزال المخرج السينمائي داود عبد السيد، قبل أشهر، فاشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية، فضلا عن الصحف الورقية تعبر عن أسفها وتطالب صاحب " الكيت كات " بالعدول عن قرار الاعتزال، بل إنهم "أعادوه" بقرار شعبي، وهي سابقة أنعشت آمال عبد السيد بجمهور اعتقده تغير وتغيرت ذائقته، ترى ما الذي جعل هؤلاء يشعرون بالأسى على قرار شخصي اتخذه مخرج مقل لا تزيد أفلامه على تسعة، وغير مهتم بالترويج لنفسه وأفلامه؟ الجواب من وجهة نظري يعود إلى انحياز هذا المخرج إلى هموم المصريين بصدق، مسلطا الضوء على مشكلاتهم وتطلعاتهم من خلال خلق وابتكار شخصيات لا تختلف عنهم.
تصنف أفلام عبد السيد ضمن مفهوم سينما المؤلف التي هي "وجهة نظر المخرج وكاتب السيناريو تجاه الأحداث" بعيدا عن اللهاث التجاري قريبا من الرؤية الفنية.
جسد صاحب "رسائل البحر" رؤى وأفكار مجايليه من مخرجين ولدوا في أربعينيات القرن الماضي وعاشوا أحلام الناصرية الوردية وإنجازاتها الاشتراكية، ليصدموا بهزيمة 1967فانقلب الحال عندهم وقرروا الانحياز للإنسان المصري البسيط وأحلامه المصادرة، منهم: محمد خان، ممدوح شكري رأفت الميهي، خيري بشارة.. وغيرهم، هؤلاء المخرجون الغاضبون شكلوا ما يعرف بتيار السينما الجديدة، وفي كل أفلامه ابتداء من فيلمه الأول "الصعاليك"(1985)، ومرورا بـ "أرض الاحلام"(1993)، وانتهاء بـ "قدرات غير عادية " (2015) يطرح شخصيات مأزومة مغتربة تحاول أن تجد مكانا لها في هذ العالم القاسي، فتتفاعل مع محيطها سلبا مرة، ومرات إيجابا من دون أن يتدخل في مصائرها المخرج، ما أعطى شخصياته قبولا عند الجمهور يصل إلى حد التعاطف.
على الرغم من قلة أفلامه، إلا أن داود عبد السيد المولود في العام 1946، والمتخرج في معهد السينما العالي، ترك بصمة وأثرا في تاريخ السينما المصرية، إذ وازن في معظم أفلامه، بين ما هو تجاري وفني، وإلا ما فائدة إعادة إنتاجه فالسينما من وجهة نظره هي: "تغير الواقع وليس توصيفه .
بدأ صاحب "مخبر ومواطن وحرامي "مشواره المهني مساعد مخرج مع صناع سينما كبار على شاكلة: يوسف شاهين في "الأرض"، وممدوح شكري في "أوهام الحب"، وأخرج ستة أفلام وثائقية، أبرزها: "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم"، و "عن الناس والأنبياء والفنانين".. وتحول الشيخ حسني الضرير بطل "الكيت كات " إلى أيقونة وصنف ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.