حسن العاني
حزني عظيم عليه والله، فقد كان صديق الإعدادية والجامعة ورفيق العمر والحياة منذ مطلع العقد الستيني، وقبل ذلك كان مستودع أسراري والوفي الذي اتكئ عليه، وليس عندي ما أرثي به رحلة صديقي الشاعر الأبدية إلا دمعة حاضرة كلما حضر اسمه وحيثما ورد ذكره الطيب في أحاديث
الزملاء.
في السابع عشر من شهر شباط السنة الحالية كنا على موعد للسفر إلى الناصرية بدعوة من أحد أصدقائنا القدامى للاحتفال بزواج ابنه، وقد تأخر صديقي صباح اسماعيل عن الحضور إلى (الـﮔراج) فاتصلت به عبر الموبايل، ولا أذكر وقع الصدمة ونوعها وحجمها وأنا أتلقى نبأ موته المفاجئ على الهاتف.. هذا الرجل أهمل نفسه ولم يلتفت إلى موهبته قبل أن تهمله الدولة ولم تلتفت إلى شاعريته وكفاءته وعقليته، كان صديقي صباح (عبقرية) حقيقية جمعت بين المفكر والسياسي والإعلامي وبين الشاعر والناقد والكاتب في وقت واحد، ولكن مشكلته الوحيدة والكبيرة، أنه كان يكره الظهور ويتجنب
الأضواء.
أذكر ذات مرة تعود إلى بضع سنوات جمعنا لقاء مع عدد من الزملاء الإعلاميين، وكان من الطبيعي أن يقودنا مثل هذا اللقاء إلى وضع الإعلام العراقي، وهكذا وبروح من الود واحترام الرأي والرأي الآخر، وجدنا أنفسنا نبحث عن الفرق بين الهوية الإعلامية قبل عام 2003 وبين الهوية الإعلامية بعد عام 2003، كان من الطبيعي أن نجتهد ونتفلسف ونطرح عشرات الآراء والأفكار، قبل أن يستأذن هو بالحديث قائلاً [الأمر ببساطة أن الحكومة في ظل النظام السابق كانت لا تقرأ ولا تكتب كما يقولون، ولو تعرض أحدنا إلى عقوبة فذلك بفضل تقرير سري يرفعه أحد زملائنا مع الأسف تقرباً من السلطة ونفاقاً لها، أما بعد السقوط فالحكومات المتعاقبة قارئة جيدة، ولكنها وظفت أذنها اليمنى للاستماع واليسرى (لتعبير) وتمرير ما تسمعه، لأن لديها ما يشغل بالها أكثر من الالتفات إلى الإعلام وكتابات الصحفيين] ما يؤرقني اليوم هو لماذا لم أسأله عن الأمر الذي يشغل بال الحكومات بحيث لا تلتفت إلى كتاباتنا؟! ولكن فات الأوان وانتقل الرجل إلى جوار ربه، مع أنني أعرف ما يشغل بالها
منذ 9 / 4 / 2003! .