العرب في بلاد الرافدين

الصفحة الاخيرة 2022/06/28
...

 محمد علي جواد
من المعروف أن العرب هم سكان الجزيرة العربيَّة في نجد والحجاز واليمن ودول الخليج العربي الصغيرة، وهذا لا يعني عدم وجود أقوامٍ أخرى كانت تسكن الجزيرة العربيَّة مع العرب أو قبل وجود العرب التاريخي.ومن الخطأ القول إن كل من هاجر من الجزيرة العربيَّة الى الأراضي المجاورة خصوصاً الى سوريا والعراق هم من العرب في مختلف الأزمنة وتدفق الموجات البشريَّة من الجزيرة (التي نسميها الآن الجزيرة العربيَّة).
 
مدنٌ عظيمة وأنهارٌ كبيرة
لقد نشأت في الجزيرة العربيَّة مدنٌ عظيمة وأنهارٌ كبيرة عندما كانت الجزيرة العربيَّة أرضاً خضراءً خصبة ثم بعد فترات زمنيَّة أصبحت صحراءً قاحلة في أغلبها تعتمد على العيون والآبار وسوف ترجع هذه الصحراء الى أراضٍ خصبة مرَّة أخرى بتغير مناخها في المستقبل كما ذكر ذلك النبي محمد (ص).
لقد أطلق بعض المفكرين على الموجات البشريَّة التي وفدت الى سوريا والعراق من الجزيرة العربيَّة في مختلف العصور التاريخيَّة لقب (الساميين) نسبة الى سام بن نوح وهذا لقبٌ يعتمد على مفهوم العنصر السامي في مقابل عناصر بشريَّة أخرى كالعنصر الآري الذي يختلف عنه في خواصَّه العديدة ولكنَّ علماء الآثار لا يحبذون هذه الاختلافات العنصريَّة البشريَّة ويفضلون تسمية هذه الموجات البشريَّة (الجزريين) نسبة الى أرضهم التي قدموا منها وهي الجزيرة والتي سميت لاحقاً الجزيرة العربيَّة.
من الطبيعي أنْ يَرِثَ العرب في لغتهم العربيَّة كلمات كثيرة من اللغات القديمة للأقوام القديمة التي كانت قبلهم في الجزيرة العربيَّة وحتى لغتهم القديمة فهي ليست لغتهم في زمن الجاهليَّة القريبة من بعثة الرسول محمد (ص) وجاء الإسلام بالقرآن الذي أخذ أجمل ما في لهجات القبائل العربيَّة وبقيت في غالبيتها كما هي الآن بفضل وجود القرآن وهو المستوى اللغوي والأدبي الأعلى في اللغة العربيَّة والذي سيبقى كذلك الى يوم القيامة.
لقد حكم الملك الآشوري شيلمنصر الثالث (858 - 824 ق.م) من العاصمة الآشوريَّة (كالح وتسمى نمرود) في الموصل وقد أرسل عدة حملات عسكريَّة الى بلاد الشام وجرتْ عدة معارك أشهرها موقعة (القرقار) على نهر العاصي في العام 853 ق.م. وقد ورد ذكر اسم العرب لأول مرَّة في أخبار ملوك العراق القديم، إذ كان أحد الأمراء المتحالفين ضد الملك (شيلمنصر الثالث) هو الأمير العربي (جندبو). وفي الرسومات الجداريَّة والمسلات وجدت لاحقاً صوراً لمحاربين عرب يركبون جمالاً وهم يهربون من أمام الجيش الآشوري، ولربما في فترات أخرى استخدم الآشوريون القبائل العربيَّة وجمالهم وخيمهم في الحرب ضد أعداء الآشوريين.
بعد سقوط بابل لعام 539 ق.م وقبلهم بقرن الآشوريين أصبحت بلاد الرافدين (العراق القديم) مسرحاً للصراع بين الامبراطوريتين العظيمتين في ذلك الزمن وهما بلاد فارس والاسكندر ثم السلوقيين والفرثيين والساسانيين والرومان. ومن الطبيعي أنْ يسيطر الغزاة على المدن الكبيرة المطلة على نهري دجلة والفرات.
 
فراغٌ سياسيٌّ وعسكري
وفي هذه الفترة حصل فراغٌ سياسيٌّ وعسكريٌّ داخل بلاد الرافدين سمح للقبائل العربيَّة أنْ تتدفق من الجزيرة العربيَّة الى سوريا والعراق بعضها مع مجاري الأنهار والقسم الآخر نشأ على أطراف بلاد الرافدين القريبة من صحراء الجزيرة العربيَّة فتأسست المدن العربيَّة الصحراويَّة الواقعة على طرق القوافل التجاريَّة بين سوريا والعراق والجزيرة العربيَّة وسميت بمدن الصحراء مثل تدمر والحضر والبتراء.
وقد شيدت مدينة الحضر العربيَّة في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد وظلت مزدهرة الى منتصف القرن الثاني بعد الميلاد. وفي بداية نشوء الحضر حكمها الكهنة ثم السادة ثم أصبحت مملكة وأول ملوكها المشهورين هو (سنطروق) الذي لقب نفسه في الكتابة المكتشفة في المدينة عام 1961 بـ(ملك العرب) واسم أبيه (نصر) الكاهن الأعلى. وقد فشل الرومان في احتلالها أكثر من مرَّة. وتم العثور على مجاميع مهمَّة من النصوص الآراميَّة في مدينة الحضر.
وقد دمر الملك الساساني سابور الأول مدينة الحضر العربيَّة عام 241 بعد الميلاد. وظل العراق لأكثر من أربعة قرون تحت الحكم الساساني وفي زمن الملك يزدجرد الثالث (632 - 651 م) انتهى عهد الدولة الفارسيَّة في العراق على أيدي العرب المسلمين في معركة القادسيَّة.
 
مملكة الحيرة والمناذرة
وهي دويلة عربيَّة تكونت في بداية القرن الثالث الميلادي في منطقة جنوب الكوفة واصل أهلها وملوكها من عرب اليمن عرفوا بالمناذرة واللخميين وكان أهلها نصارى على المذهب النسطوري ومن ملوكها الأوائل امرؤ القيس الأول (القرن الرابع الميلادي) والنعمان الأول والمنذر الثاني وانتهى عهد هذه الدويلة العربيَّة في زمن النعمان الثالث الذي يُكنى (ابو قابوس) (580 - 602 م)، وصار الملوك الساسانيون يتدخلون في شؤونها فانحاز عرب الحيرة الى خالد بن الوليد في فتحه العراق عام (633) ميلادي.
وتدفقت القبائل العربيَّة بقوَّة الى بلاد الرافدين أي العراق مع الفتوحات العربيَّة الإسلاميَّة وبنيت البصرة ثم الكوفة ثم واسط ثم بغداد ثم سامراء ثم الموصل وأصبح العراق في العصر العباسي مركز الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة بل الحضارة الإنسانيَّة حتى ضعفت الخلافة في بغداد ومجيء المغول ودمروا كل شيء جميل في العراق وبعدهم ضاع العراق في خضم الصراع الفارسي – العثماني حتى الحرب العالميَّة الأولى 1914.