د. حامد رحيم
تزدحم المفاهيم الاقتصاديَّة في الكتب والمراجع العلميَّة ذات الشأن، والتي تشير الى ظواهر وأحداث رافقت الأنشطة الاقتصاديَّة في مراحل تاريخيَّة مختلفة أصبحت مصادر لفهم علم الاقتصاد وقوانينه، وهي الآن في متناول الباحث في المجال الاقتصادي لإعادة تدويرها، وفقا لعمليَّة الوصف المطلقة للظاهرة او الحدث محل البحث الآني، وترجمتها واقعيّا لمعالجة خلل اقتصادي او تحديث منظومة عمل محددة لضمان سير معادلة علم الاقتصاد الإنساني والمختزلة في سؤال مفاده، كيف نلبي الحاجات المتزايدة كما ونوعا في ظل الموارد المحدودة نسبيَّا؟.
يرد مفهوم الانفتاح الاقتصادي والانفتاح التجاري الى جانب مفهوم الانكشاف للتعبير عن ذلك النمط الاقتصادي الذي يتعامل مع العالم الخارجي بمستويات تشمل عناصر الانتاج الى جانب السلع والخدمات وهذا هو الانفتاح الاقتصادي أما الاقتصار على حركة السلع والخدمات فهذا يعني انفتاحا تجاريا، ويقاس ذلك بمؤشرات يحدد حجمها بالقياس الى الناتج، فنقول نسبة الصادرات الى الناتج او نسبة الاستثمارات الأجنبيَّة الى الناتج، وكلما نمت نسب هذه المؤشرات أعطتنا دلالة متزايدة للانفتاح والعكس صحيح.
الإشكال يرد عند مفهوم الانكشاف الذي عالجته بعض المصادر والبحوث العلميَّة على أنَّه يقدم ذات الدلالة للانفتاح وكأن القضية ترادف في المصطلحات، وهذا غير دقيق فكل مفهوم يعطي دلالة مختلفة عن الآخر، وربما هذا اللبس يعود الى مشكلات في الترجمة من المصادر الأجنبية الى العربية.
إنَّ الانكشاف يعد متغيرا سلبيا يؤشر ضعفا في الأداء الاقتصادي وهو دلالة لحالة (التبعيَّة) للشريك الاقتصادي الخارجي بمعنى أنّ الاقتصاد المحلي يصبح شديد الحساسيَّة للحدث الذي يقع لدى الشريك الخارجي، وهو نتاج للانفتاح في ظل وجود اختلال هيكلي في النشاط ، ولا يوجد ترابط سببي بين الانفتاح والانكشاف بمعنى ليس كل انفتاح يقود الى الانكشاف ومن ثم التبعيّة.
وقد عالج الاقتصادي Gini Hirschman جانب من هذا المفهوم عبر نافذة الصادرات، إذ بيّن مؤشر تركّز الصادرات ومستوى التبعيّة.
أما قصّة اقتصادنا فهو اقتصاد منفتح تجاريا ويظهر عبر معدل نسبة التجارة الى الناتج والبالغة تقريبا 75%، حاله حال معظم دول العالم ضمن النظام الاقتصادي العالمي، بل ان الاستثمار الاجنبي ودخول العمالة الاجنبية وفروع المصارف الاجنبية وغيرها مؤشرات على الانفتاح الاقتصادي، ولكن ما يميز اقتصادنا عن أغلب اقتصادات دول العالم المنفتحة هو حالة الانكشاف والتبعية الاقتصادية، فوفقا للمؤشر المذكور آنفا أن حجم تركز الصادرات بلغ معدل نسبة 99% للنفط وهذا يعني أعلى مستويات الانكشاف، وقاد ذلك لتبعية الاقتصاد الوطني للشريك التجاري، مثلا أحداث الجائحة أوصلت الأزمة الى حد الرواتب، وأحداث الحرب الآن التي انعكست على زحمة القوانين والتشريعات التي عجت بالانفاق السخي يمينا ويسارا، حتى ملف الطاقة فقد ارتهن بالعقوبات الاميركية على إيران، فعندما تشتد تضعف ساعات التجهيز والعكس صحيح، ناهيك عن الأمن الغذائي الذي ارتبط الى حد كبير بتركيا وإيران، وهذا شكل للتبعية خطير جدا، ما أضعف سلاح التلويح بقطع التجارة معهم على اثر أزمة المياه كوننا الخاسر الأكبر في حال حصولها.
النتيجة النهائيَّة الاختلال الهيكلي المتمثل بغياب القطاع الصناعي والزراعي الوطني عن ساحة التأثير مع الانفتاح الاقتصادي الممزوج بالتأثيرات السياسيَّة صنع لنا اقتصادا منكشفا تابعا للحدث السياسي والاقتصادي لدى الشريك التجاري.