أين الأغنية الكردية؟

الصفحة الاخيرة 2022/06/29
...

سامر المشعل 
مثل ما هو معروف أن العراق يحتوي على موزائيك رائع من الغناء، متنوع بجماله نتيجة لتنوع بيئاته وقومياته وأطيافه وثقافاته ومناطقه الجغرافية، فهناك الأغنية الموصلية والأغنية الآثورية والأغنية التركمانية والأغنية الجنوبية والخشابة وأغنية البادية والمقام العراقي.. الخ. ولكل أغنية نكهة وجمال يتسقان والمنطقة التي خرجت منها. لكن الأغنية الكردية والتي تشمل منطقة واسعة من شمال العراق وتتمثل بثلاث محافظات: أربيل والسليمانية ودهوك، كان حضورها خجولا ولا يكاد صداها يصل إلى أذن المستمع في بقية أطراف العراق. بالتأكيد الأحداث السياسية المرتبكة هي من أسهمت بالدرجة الأولى بإحداث القطيعة الذوقية، ورمت بظلالها على واقع الموسيقى والغناء بحيث حجبتها من أن تشرق بجمالها على أذن المستمع العراقي، فمنذ العام 1990 وبعد الانتفاضة على النظام الدكتاتوري السابق، بدأت القطيعة وبعدما خرجت المنطقة الكردية من ربقة النظام آنذاك وانتهت بسقوطه بالعام 2003.
بعد التغيير السياسي في العراق عادت المياه إلى مجاريها ورفعت الحواجز الوهمية بين أبناء الشعب الواحد بنظام ديمقراطي فيدرالي تعددي، وكانت الأجواء مواتية لأن نعيد الجسور الثقافية والفنية ونمتن أواصر الجمال والإبداع بين الثقافتين العربية والكردية وبالأخص في مجال الموسيقى والغناء، لكن الواقع السياسي لم يرتق لمستوى ما نحلم به ونطمح إليه، فلم تلق الأغنية الكردية المسارات المثالية لتصدح في سماء الوطن. وبعد تسعة عشر عاما من التغيير لا يعرف المستمع العربي، إلا ظلاً خفيفاً من الغناء الكردي ظل عالقا بذاكرته مثل أغنية "نرجس نرجس"، أو أغنية "هربجي" وأغان قليلة جداً تعد على أصابع اليد الواحدة، وربما المتابع للأغنية الشبابية يعرف بعض الأسماء من المطربين الكرد الذين ظهروا من خلال برامج المواهب مثل: برواز حسين وعمار الكوفي وغيرهم. وهذا يكشف عن قصور واضح للقائمين على الثقافة والمؤسسات المعنية بالثقافة والفن، من كلا الطرفين، كي يسمع أحدنا الاخر غناء وموسيقى وننتشي طرباً ونتزود معرفياً ونتفاعل ذوقياً.
في الضفة الأخرى، أي أن المنطقة الكردية، تسمع الأغاني العربية وتعرف أغلب نجوم الغناء العراقي مثل كاظم الساهر وياس خضر وصلاح عبد الغفور وحاتم العراقي وحسام الرسام ونور الزين، وذلك لأن كردستان منطقة سياحية يؤمها السياح العرب من مختلف أنحاء العراق، فضلا عن وجود الكثير من الأسر العربية المقيمة في كردستان، ما استوجب تقديم الحفلات المستمرة في المطاعم والنوادي التي تقدم الغناء باللغة العربية، وهذا جعل الأغنية العربية قريبة من أذن المستمع الكردي إلى حد ما، والعكس صحيح أي أن الأغنية الكردية بعيدة عن أذن المستمع العربي. نأمل في قادم الأيام أن تتنبه المؤسسات الثقافية والنقابات المعنية بالفن والموسيقى لهذه الفجوة وتمد جسور التواصل الفني والجمالي والذوقي بين الشعبين الكردي والعربي من خلال إقامة المهرجانات والندوات والأنشطة الفنية، وهذا من شأنه أن يشيع أجواء من البهجة والاستمتاع والتقارب الفني والثقافي.