جنّة تحترق

العراق 2022/06/30
...

أحمد عبد الحسين
 
لم يكنْ ينقص العراق سوى أن تحترق غاباته ليصبح صحراء، واليوم احترقتْ غابات الموصل.
وأنا أكتب الآن، سيطرتْ فرق الإطفاء على شطر كبير من الحرائق، لكنّ شهوداً قالوا إن الحرائق تشبُّ في أكثر من جهة، ما يعني أنّها مفتعلة، مدبّرة من قبل جهة واحدة بتوقيت واحد.
لا شيء يدعوني للتشكيك بروايات الشهود، فمعظم الكوارث التي تحدث هنا تأتي في توقيت "مثاليّ" دائماً، نعلن الاكتفاء الذاتي من محصول القمح فلا يمرّ يومان إلا وتلتهم النار حقول القمح، ثم نكتفي من الثروة السمكيّة فنرى مشاهد نفوق الأسماك التي لم يجد أحد حتى الآن سبباً مقنعاً لها.
العراق يتصحّر باضطراد، عواصف الغبار تعجّل بذلك، السياسات المائية الإيرانية ـ التركية تجعل الوتيرة تتصاعد، ويبدو أن  أياديَ خفيّة تريد إيقاعاً أسرع فأسرع فعمدتْ إلى إشعال الغابات.
الصحراء هي المكان الأنسب لكائنات حباها الله عقولاً ترى أن ما في باطن الأرض أهمَّ وأثمن مما هو موجود على ظاهرها، فتحتَ أرض هذه البلاد هناك النفط الذي يرفع أرقام الأرصدة في البنوك، وفوقَ، في الأعلى لا شيء سوى أناس تأكلهم الأمراض والفقر وتفترسهم البطالة والكآبة، ومع ذلك ليس لهم همٌّ يُذكر سوى الدعاء إلى الله أن يتكرّم عليهم ويفتح ثقباً ولو صغيراً في الانسداد السياسيّ.
نحن موعودون بصحراء شاسعة، ولا أحد فكّر جدياً بإيجاد حلول لشحّ المياه أو لدرء العواصف. يشبه الأمر ما فعلته أميركا أثناء الاقتتال الطائفيّ، تركت المتحاربين على هواهم وعمدتْ إلى حماية الحقول النفطية، ويشبه ما فعلته أيام إسقاطها لنظام البعث، تركتْ دوائر الدولة، ومنها المتحف العراقي، عرضة للنهب وشكّلتْ طوقاً أمنياً حول وزارة النفط.
ألم يقل المسيح "السلام لاسمه": قلبُك حيثُ كنزك! وقلوب الأميركان ومن أتى بعدهم من الساسة منقوعة بالنفط تسكن عميقاً تحت أرض العراق، أما ما يدبّ على هذه الأرض من كائناتٍ ذوات قدمين فمتروكون لمستقبلٍ له هيأة صحراء مترامية الأطراف.
وأنا أكتب الآن، تنادى أهالي الموصل وباشروا بعمليات تشجير فورية، جمعوا لحد اللحظة خمسة آلاف شجرة ليزرعوها اليوم ردّاً على الحرائق ومشعليها.
ستخمد حرائق غابات الموصل، لكنّ الأيادي التي أشعلتها ستشعل غيرها في حقول قمح حين يريد أصدقاؤنا تصدير قمح لنا، وفي أسواقٍ كبيرة حين يريد أشقاؤنا تكثير حصتهم من الصادرات والعملة الصعبة، وصولاً إلى صحراء تحتها نفط وفوقها شعب مغلوب.