النقد المعاصر من ياكبسون الى كولدمان

منصة 2022/07/03
...

 كمال عبد الرحمن
في بداية القرن العشرين ظهرت (حركة الشكلانيين الروس 1915 ــ 1930)، وكانت هذه هي الشرارة الأولى في ظهور مناهج نقديَّة أخرى، منها (البنيوية) و(البنيوية التوليدية) و(السيميائية) و(التفكيكية) وغيرها.
 
منهج جديد
اعتمد (الشكلانيون الروس) منهجاً جديداً مهماً، فيه تحولٌ كبيرٌ عن أسس المناهج النقدية الحديثة (الاجتماعية/ التاريخية/ النفسية) التي كانت مناهج  سياقية خارجية (خارج النص) تعتمد الظروف التاريخية والعوامل النفسية والمشكلات الاجتماعية في انتاج النص، من هنا رفض (الشكلانيون) أية علاقة خارجية مع النص، وقالوا إن دراساتهم ستنصب على ((النسق الداخلي اللغوي))، وكذلك قطع اية صلة تربط (داخل النص) مع خارجه، وبهذا قطعت الطريق على المناهج النقدية الحديثة (التاريخية/ الاجتماعية /النفسية)، وابتدأت من هنا مرحلة الحداثة التي ظهرت فيها مناهج مثل (البنيوية) و(السيميائية) وغيرها.
 
وكانت المدرسة الشكلية الروسية تشكل ((أحد المذاهب المؤثرة في ميدان النقد الأدبي في روسيا, وهي تشتمل على أعمال العديد من المفكرين الروس ذوي التأثير الكبير في الساحة الأدبية مثل فيكتور شيكلوفسكي ويوري تينيانوف وبوريس أيشينباوم ورومان جاكوبسون وجريكوري فينكور)), وهي أسماء أحدثت ثورة في ميدان النقد الأدبي.
وعلى اعقاب (الشكلانيين) جاء المنهج البنيوي الحداثي او الحداثوي في منتصف القرن العشرين، والحقيقة ان اغلب افكاره مأخوذة من الشكلية او الشكلانيين الذي سبقوهم، و((نادت البنيوية باغلب ما نادت به الشكلية، كما تأثرت بمدرسة النقد الجديد بأمريكا)) ومما قالت به البنيوية:
• «رفض المناهج الحديثة.
• رفضت كل ما هو خارج النص
• رفع شعار ( النص ولاشيء غير النص)
• نادت ب(موت المؤلف) و(أدبية الأدب)
• اعتمدت اللغة في دراساتها واهتمت بذلك اهتماما كبيرا
• قالت (الادب نظام ألسني وليس انعكاسا للواقع).
• اعتمدت خطوتين مهمتين:
1. تفكيك النص الى تمفصلاته الشكلية
2. إعادة تركيبه لمعرفة آلياته وطريقة بنائه ودلالاته المختلفة»
• كما اعتمدت مجموعة من (المصطلحات والمفاهيم الاجرائية) كـ»النسق والنظام والبيئة والمستويات والثنائيات والاصوات والتركيب والنحو والصرف واللغة والجملة والكلام والعلامة اللغوية وغير ذلك».
• وتفكيك النص عندهم من المستويات عن طريق «الصرفي/ التركيبي/ المعجمي/ النحوي».
 
وأهم رواد هذا المنهج دريدا وياكوبسون وشتراوس وبارت وتدوروف وجينيت وغريماس.
أما المنهج السيميائي (أو{السميوطيقا» أو السيميولوجيا») فهو علم العلامات. وإذا انتقلنا إلى البنية العميقة ((فيمكن لنا الحديث عن مستويين منهجيين: المستوى السيميولوجي الذي ينصب على تصنيف قيم المعنى حسب ما يقوم بينهما من العلاقات والتركيز على التشاكلات السيميولوجية، والمستوى الدلالي وهو نظام إجرائي يحدد عملية الانتقال من قيمة إلى أخرى ويبرز القيم الأساسية والتشاكل الدلالي)).
ويستند التواصل حسب رومان جاكبسون الى ((ستة عناصر اساسية هي: المرسل والمرسل إليه والرسالة والقناة والمرجع واللغة. وللتوضيح أكثر نقول: يرسل المرسل رسالة إلى المرسل إليه حيث تتضمن هذه الرسالة موضوعا أو مرجعا معينا))، وتكتب هذه الرسالة بلغة يفهمها كل من المرسل والمتلقي.
 
الإبلاغ والقصدية الوظيفية
إنَّ كل خطاب لغوي وغير لغوي يتجاوز الدلالة إلى الإبلاغ والقصدية الوظيفية، يمكننا إدراجه ((ضمن سيميولوجيا التواصل)). وكمثال لتبسيط ما سلف ذكره: ((عندما يستعمل الأستاذ داخل قسمه مجموعة من الإشارات اللفظية وغير اللفظية الموجهة إلى التلميذ ليؤنبه أو يعاتبه على سلوكاته الطائشة فإن الغرض منها)) هو التواصل والتبليغ.
أما عناصر سيمياء الدلالة لدى بارت فقد حددها في كتابه «عناصر السيميولوجيا»، وهي ((مستقاة على شكل ثنائيات من اللسانيات البنيوية)) وهي: (اللغة والكلام، والدال والمدلول، والمركب والنظام، والتقرير والإيحاء))، والمقصود بالدلالة هي (الدلالة الذاتية والدلالة الإيحائية).
وهكذا حاول رولان بارت التسلح باللسانيات لمقاربة الظواهر السيميولوجية كأنظمة الموضة والأساطير والإشهار... الخ
ويعني هذا أن رولان بارت عندما ((يدرس الموضة مثلا يطبق عليها المقاربة اللسانية تفكيكا وتركيبا من خلال استقراء معاني الموضة ودلالات الأزياء وتعيين وحداتها)) أما التفكيكية فقد ارتبطت بالفلسفة، وقد بنت منهجها اعتماداً على مقولة شهيرة لنيتشه الالماني ـ الأب الشرعي للتفكيكية ــ المتوفى عام1900، عندما قال  في العام نفسه ((الان مات الآله ونحن قتلناه)) واصبحت هذه المقولة الاساس الفلسفي لـ((نقد المركزية لدى التفكيكيين الذين يشككون  في المعنى الثابت للنص، ويدعون أنَّ للنص عدداً لا يحصى من المعاني))، وظهرت التفكيكية  (وهي العمود الفقري لنظريات ما بعد الحداثة) عام 1970 في ما يسمى مرحلة (ما بعد الحداثة).
والتفكيكية شأنها شأن البنيوية، رفضت اي مركز او مرجع للنص مهما كان نوعه اجتماعيا تاريخيا نفسيا وغير ذلك، وكما قال الفيلسوف جاك دريدا رائد التفكيكية» التفكيكية حركة بنائية وضد بنائية في آن واحد» : اي تبني وتهدم الى ما لانهاية وهي سلسلة متواصلة من الدلالات»،واهم المصطلحات التفكيكية هي:
• ((نقد المركزية: وهي ان النص لامركزية ولامرجعية له، بل هو كيان قائم بنفسه على نفسه، وهو يطابق كلام البنيويين ( النص ولا شيء غير النص)
• الحضور والغياب: قائمة على ان الذوات تحمل مدلولات متعددة(يظهر معنى ثم يغيب ويحضر معنى جديد ويغيب) وهكذا
• الاختلاف والارجاء: اعتمد على مفهوم (هيدجر) عن الكينونة (المعرفة والذات العارفة) وهما يتغيران بتغير عوامل الزمن، ومعناه ان الحقيقة التي نصل اليها اليوم هي حقيقة مرجأة لحين ظهور حقيقة اخرى.
• الأثر: هو العلامة التي توحي بامكانية (الاثر والازالة) وهي امكانية المحو لأثر قديم بظهور أثر جديد.
• قراءة اساءة: كل قراءة جديدة لمعنى لنص تسيء ( اي تلغي) المعنى السايق.
• التشظي: وهو تكاثر المعنى باشكال مختلفة يساعد على ظهر اللعب الحر.
• اللعب الحر: هو لعب لاتوجد قواعد تحد من حريته، وهو يشير الى عدم الثبات وعدم الاستقرار للنص.
• التناص: قراءتنا للنص الادبي تستدعي نصا آخر، حيث ينفتح النص على معاني ودلالات جديدة)).
واهم اجراءات النقد التفكيكي:
 *البحث عن المتناقضات في النص بوصفها معول هدم لبنيته.
* البحث عن المسكوت عنه.
* رفع المهمش لرتبة المركزية مؤقتا.
 
نظرية الانعكاس
أما (البنيوية التكوينية أو التوليدية) فمنهج ظهر في منتصف القرن العشرين على  يد  الناقد الفرنسي (كولدمان) وهو منهج يمزج  بين المناهج النسقية الداخلية وبين المناهج السياقية الخارجية، والعمل المشترك بين (الداخل والخارج) من خلال نظرية الانعكاس المعروفة، وهذا معناه وفق (كولدمان) دراسة النص من الخارج والداخل، بعكس البنيوية والتفكيكية التي تدرس النص من الداخل فقط.
وهكذا قام (كولدمان) باجراء مصالحة شاملة بين (الداخل النصي) و(الخارج النصي)، بعد أنْ كانت أغلب المنهاج المعاصرة تعاني من العزلة والتوحد، والانشغال بالنص من الداخل، ما جعل خارج النص يعاني من ضعف الدراسة والمتابعة النقديَّة.