علي حمود الحسن
شاهدت مؤخراً فيلم "المسابقة الرسمية"(2021) للمخرجين الأرجنتينيين مارنو كوهين وغاستون، بمتعة وشغف على الرغم من كون الفيلم عصياً على المشاهدة التقليدية، فهو مقتصد؛ ليس غير ثلاثة ممثلين رئيسيين، ومكان تصوير يكاد يكون واحداً على مدار زمن الفيلم، وبناء سردي اعتمد حواراً معقداً، وإن كان مرحاً عن صناعة الأفلام وكواليسها وإنتاجها، شيئاً فشيئاً تتضح الرؤية وتحتدم الأفكار بين ممثلين محترفين ومخرجة ملتبسة أقرب إلى الجنون منها إلى العقل، تفرض رؤيتها الغريبة بطرق سريالية لتجعل فريق عملها ضمن رؤيتها بعد أن تجردهم من كل قناعاتهم وصورهم النمطية عن التمثيل والحياة أيضا، هذا الفيلم المخالف للمألوف مثل شخصياته الرئيسية الثلاث بينيلوبي كروز(المخرجة لولا كويفاس)، وأنطونيو بانديراس(فيلكيس ريفيرو)، وأوسكار مارتينيز(ايفان اوريس).
يصنف "المسابقة الرسمية" ضمن الأفلام الكوميدية ذات المنحى التجريبي، وهذا ما يميز هذين المخرجين الذين تهكما بطريقة ساخرة من إنتاج الأفلام وصناعة الأحلام الهوليوودية، وسطحية الممثلين وصناعة الذين يميلون إلى الأضواء والشهرة والمظاهر الباذخة من خلال حكاية ثري يعمل في حقل إنتاج الأدوية يجد نفسه في عيد ميلاده الثمانين وحيداً كسيراً، وهو يتأمل هداياه، فيقرر تخليد نفسه بفيلم سينمائي يليق بمكانته، ويشتري حقوق رواية حائزة على نوبل، ويتعاقد مع صانعة أفلام غريبة الأطوار لإخراجها.
يمكن القول أن "المسابقة الرسمية، هو" فيلم" داخل فيلم، فمعظم أحداثه تدور في قاعة بطراز حديث (أقرب للتجريد) حيث تدرب المخرجة ممثليها على تجسيد قصة أخ يتسبب بمقتل أبويه في حادث سيارة كان يقودها وهو سكران، فيثور الأخ(أيفان) ويشهد ضد أخيه (فيليكس)الذي يسجن، وحينما تنتهي محكوميته، يقتل أخاه بطريقة تراجيدية تذكر بمسرحيات شكسبير الباذخة، هذه الحكاية أفلمتها مخرجة ترى في تمارين فريق عملها نصف إنجاز الفيلم، ومن خلال شخصيتي ايفان وفيليكس، اللذين لا يتحملان طريقتها في تفريغ الممثل، من كل ما تعلمه من تجارب وأفكار لتخلق منه الشخصية المطلوبة، ما يجعل تدريباتها أقرب إلى الكوابيس، فمرة يلقيان حوارهما تحت صخرة كبيرة علقت برافعة، يكتشفان فيما بعد أنها من كارتون، وأخرى تعرضهما لتجربة قاسية، إذ تلقي جوائزهما في مثرمة حديدية، لتحولها إلى أشلاء صغيرة، بينما تلفهما بشريط لاصق، بطريقة لا يستطيعون معها الكلام او الحركة، وأحيانا تجعلهما يتحولان إلى عدوين، ومرات تعيد ما يقولانه مرات ومرات ما يجعلهما يخرجان عن طورهما، ينجح الفيلم وتتحدث عنه الصحافة والنقاد، لينتهي بلقطة مكبرة، تملأ الشاشة على وجه بنيلوب كروز بعينيها الساحرتين وابتسامتها الحزينة، كأنما تذكر بغرابة الإنسان وتوحشه.