محلّات كركوك القديمة.. صورٌ للتعايش بعبق الماضي

ريبورتاج 2022/07/05
...

 نهضة علي 
ما زال مركز مدينة كركوك يضمُّ في وسطه شيئا من البناء القديم، ومعه أزقة وداربين تحتفظ ببعض الجدران والقوسيات والأحجار، التي تدل على أنها انشئت قديما، وبرغم الحداثة وتغيرات الزمن وما أجري عليها من قبل الناس المالكين، بقيت تحتفظ بشيء من التراث وما حدث قديما، ومنها محلة "بكلر واحد وبكلر اثنان، والقورية، وشاطرلو، وعرفة، وسوق القورية، واحمد أغا وغيرها".
 
الاحتفاظ بالتاريخ
مختار محلة بكلر محمد جعفر أكد لـ (الصباح) أن "المناطق تضم خليطاً من سكان كركوك، وبعضها يكون الغالبية من القومية التركمانية، وتغيرات الزمن والتمدد العمراني أصبحت خليطاً أكثر من أطياف كركوك في محلة بكر، والتي تعدُّ تقريبا قلب مركز مدينة كركوك، وتضم الأسواق التي كانت قديما ساحات لبيع الحنطة والشعير أو الحبوب عموما، وبيع الفخاريات وبضائع اخرى، بتقـــــــدم الزمن أصبجت أسواقاً، وتضم ايضا جوامـــــــــــع ما زالت تحتفظ بتاريـــــــــــخ تأسيسها من خلال مظهرها العمرانـــــــــــي، وأخرى حدثت من قبل الجهـــــــــــة العائدة لها الوقف وتصل إلى 30 جامعاً تقريبا، ومنها "ملة قاوة، وملة سعيد، وجامع الهرمزي، وحسينية بنيت منذ ستين سنة تقريبا، ومزارات، منها مقام الامام العباس، وهو بحسب الروايات مرَّ من هذا المكــــــــان، وتشعل الناس عنده الشموع لطلب المراد، وكنيسة مريم العذراء التي أعيد إعمارها بعد تعرضها لحادث إرهابي".
صور التعايش
وما بين الجامع والحسينية والكنيسة والمزارات مسافة في أغلب الأحيان لا تتعدى 100 متر، يعيش فيها الناس، تجمعهم المحبة وعلاقات الجيرة الطيبة، وتعكس المحلّة صورة التعايش والتلاحم بين الأهالي في  كركوك  قديما، والى اليوم يسكنها التركمان والعرب والكرد والمسيح، وتضم أيضا حمام علي بيك. وأضاف بان شكل المحلّة واسواقها يختلف كثيراً عن الوقت الحاضر، وبحسب حديث جده فإنها كانت سابقا بساتين للزيتون والزروع، وبالقرب منها كهاريز الماء، يجلبونه منها لمختلف الاستخدامات، وقام الملك فيصل عند زيارته مدينة كركوك، وفتح محطة سكك الحديد فيها بتحويل جريان الماء الى سواقٍ تمرُّ بالقرب من المناطق، بعد إجراء تعديل وتغيير ليستفاد منها أكبر عدد من السكان، وتتميز بدرابينها الضيقة، وفيها بناءات قوسية لبيوت او مقرات لمؤسسات تعود لمتصرف الدولة قديما، فضلا عن أن لأهلها عاداتٍ وتقاليدَ ما زال الكثير من الأسر يحتفظون بها إلى الوقت الحاضر، وهي شبيهة بتقاليد توجد لدى بعض محلات بغداد القديمة.
 
سوق القورية
واضاف السيد جعفر لـ(الصباح) إن تسمية قورية تعود الى القوريات التركمانية، وهي مقامات وكلمات أغاني تراث شعبي تركماني، كانت تغنى قديما او تقرأ بكلمات شعبية، وآخرون يسمونها غناء التراث الشعبي في المكان، الذي تقام فيه التجمعات والحفلات تغنى فيه، وتعد سوق القورية في كركوك سوقاً تعبق بتراث المدينة وتاريخها، متحدية تقلبات الفترات الزمنية بالحفاظ على طرازها، الذي أنشئت عليه منذ القدم، وبقيت محال المبيعات والمهن هي ذاتها  في الماضي، ومالكوها والعاملون فيها هم أحفاد للذين كانوا قديما يديرونها، وآخرين أوجدوا محال تتزامن مع الحداثة وطلبات التبضع اختلافا عن الماضي.
 السيدة (أم أركان) كانت تتجول في أحد الدرابين التي تؤدي الى سوق القورية، أكدت لـ(الصباح) أن السوق تحكي عبر المقهى الشعبي من خلال كبار السن، الذين يردادونها للجلوس قصصاً عما كان يجرى فيه سابقا، مضيفة بأنها من أحد الأسر، التي كانت تبيع الفخاريات في السوق قديما، وحتى سنوات الأربعينات والخمسينات، حيث قلَّ الطلب عليها، فقد كانت الأسرة ومن مجموعة أفراد تربطهم صلة القربى، يقومون بصنعها في البيت في حجرة طويلة خصصت لعملهم، ومن ثم تيبس في سطح لمنزل تحت اشعة الشمس، وتباع على أصحاب المحال، مبينة اغلب المبيعات هي تصنع في البيوت، منها المواد الغذائية، التي تيبس في البيوت، وتباع للخزن أثناء فصل الشتاء، ومحال النجارة والحياكة.
 
تأهيل المناطق التراثيَّة
مسؤول الإعلام في المحافظة مروان العاني أكد لـ(الصباح) أنهم وضمن خطة التطوير والتأهيل، تمَّ تخصيص مبلغ للاهتمام بالمناطق الاثرية والترثية، والتي تحتاج إلى التأهيل والتطوير والاهتمام، حفاظا عليها من الاندثار مع مرور الزمن، ويتم ذلك بالتنسيق مع دائرة الآثار في المحافظة، واستحصال موافقة الهيئة، لأن المناطق المسجلة كمواقع أثرية وتراثية، لا يمكن إجراء اي تغيرات عليها، ويكون العمل وفق الضرورات، بينما يتمُّ الاهتمام بها من الناحية الخدمية.