عراقان لا عراق واحد

العراق 2022/07/05
...

أحمد عبد الحسين
حراكان سياسيان يحدثان في وقت واحد، الأول خارجيّ يتمثل في انفتاح العراق على جواره ومحاولته ـ الناجحة لحدّ الآن ـ لترميم العلاقات المتصدّعة بين أكبر غريمين في المنطقة: السعودية وإيران، إضافة إلى اللقاءات المتعددة مع مصر والأردن والباحثة عن نحو من أنحاء التكامل الاقتصاديّ بين البلدان الثلاثة.
أما الحراك الثاني فهو ما يحدث في الداخل. وهو نقيض الحراك الأول تماماً، فإذا كان الخارجيّ يتوفّر على حركيّة ونشاط وإمكانية تطوير وفرصة لاستثماره والبناء عليه، فإن الحراك الداخليّ لا يعدو كونه مراوحةً، تكرارَ مواقفَ ولوكَ تصريحاتٍ ونبشاً محموماً في أرشيف الكراهية المرئيّ والمسموع والمكتوب، وتوظيفَ صغار الكتبة لإشعال نيران صغيرة مسيطر عليها هنا وهناك بحسب الطلب.
العراق الخارجيّ ناجح. زيارات الكاظميّ إلى الرياض فطهران ثمّ عودته المرتقبة للرياض، تلاقي احتفاء إيرانياً سعودياً مشتركاً، وزير خارجية إيران أعلن أمس أنْ لا مشكلة في عودة العلاقات الرسمية مع المملكة، الخطاب الرسميّ والإعلاميّ تغيّر بشكل ملحوظ في تعاطيه مع الجمهورية الإسلامية، المنطقة أهدأ من ذي قبل وأجواء عاقلة تسود في مستشفى المجانين على غير العادة.
ماذا عن العراق الداخليّ؟ 
الفشل يعسكر في هذه الأصقاع. فالذين طالما اعترفوا بأنهم فشلوا في خدمة الناس يصرّون ـ مشكورين ـ على إكمال مسيرتهم الناجحة. الذين فازوا في الانتخابات انسحبوا، وحلّ مكانهم خاسرون، ولا أحد من السياسيين بمقدوره التفكير خارج صندوقه، غياب استقلالية في القرار يوازيه في القوّة قلّةُ ذكاء وانعدام خيال سياسيّ وشلل في استيعاب المتغيرات التي تحدث في العالم.
لسنوات، كانت الغريزة الطائفية هي المحرّك الأول للعمل السياسيّ عندنا. لكنها استنفدتْ كل إمكانياتها اليوم ولم تعدْ فاعلة كالأيام الخوالي، غير أن أربابها لا يحسنون سواها فتكلست مفاصلهم فهم غير قادرين على المشي خطوة أخرى.
وجهان للعراق، وجهه المطلّ على الخارج مبتسم ضاحك، ووجهه الذي ينظر إلى أبنائه في الداخل يكسوه الحزنُ والكآبة. المشكلة حقاً أنّ كثيراً من صغار كتبة الأحزاب يلقون قنابل دخانية لتشويه الوجه الأول والإيحاء بأن مأساتنا إنما كانت بسبب التقارب مع الدول المحيطة بنا لا بسبب الفاشلين الذين طالما اعترفوا ـ مشكورين ـ بأنهم فاشلون والذين يرغبون ـ مشكورين أيضاً ـ بإكمال المسيرة  المظفرة نحو الذرى والمجد والسؤدد !