فضيحة الحريّة

العراق 2022/07/06
...

أحمد عبد الحسين
 
نمطان من الحريّة سقطا على رؤوسنا من دون أن نتعب أنفسنا في استحصال ايّ منهما. سقطا هكذا كما تسقط تفاحة من شجرة على رأسٍ هو ليس رأس نيوتن للأسف.
الأولى: حريّة التعبير عن الرأي التي هي عندنا نسبية منقوصة بفضل شرطة اليقين، لكنها مع ذلك أكبر ثمرات التغيير. والثانية: حريّة نشر هذا الرأي وإشهاره التي جاءتْ بفضل وسائل التواصل.
حريّة التعبير إذنْ نتاج سقوط الصنم، وحريّة التعبير عن التعبير نتاج ضمور الإعلام التقليديّ وتهاوي السدود بين الناس بفضل تطبيقات الانترنت.
حرّيتان لم نحسن التعامل مع أيّ منهما، لأن الأمر صعب فعلاً بل شاقّ. يستطيع الإنسان التكيّف مع القمع بطريقة أسهل من تكيّفه مع الحريّة، خصوصاً إذا كانت تلكم الحرية وافدة على غير ميعاد، أيْ لم تُخلَقْ ببطء ولم تستنبَتْ في الأرض على يد أصحاب الأرض.
ننظر يميناً وشمالاً فنرى شعوباً كثيرة تعايشت والقمع حتى بدا أنه قَدَرها الذي لا مفرّ منه. كوريا الشمالية اليوم أضيق من عراق صدام وأتعس، لكنّ الكوريين "الديموقراطيين" يحيون ويعملون وينتجون كما كنّا نعمل وننتج ونعيش، لقد اندغمت حيواتهم مع نظام الأخ الأكبر الحديديّ الذي هو أقسى مما تخيّله جورج أورويل في كتابه 1984.
التعامل مع القمع المقيم أسهل من التعاطي مع الحرية الفجائية. ولهذا نحن للآن في مرحلة اضطراب، يحفر في خاطرنا سؤالاً لا ننطقه لكنه يسدّ علينا أفق الرؤية، السؤال هو: ماذا نفعل بكلّ هذه الحريّة الافتراضية؟
مَنْ حظي برؤية رجلٍ كحوليّ تهبّ رياح عدوانيته وسوء خلقه بعد أن يسكر "والنماذج من هذا النوع كثيرة" فسيعرف أنّ المسكر مجرد ذريعة لتأدية الشرّ من دون تأنيب ضمير، لقد أتته حريّة مفاجئة وعليه استغلالها للتعبير عن نوازع مكبوتة لا يقدّر لها الظهور حال الصحو.
يكاد يكون هذا ملخّص حرية كثيرين في فيسبوك وتويتر وسواهما من المسكرات، حريّة متوحشة كشفتْ عنْ أنّ كثيراً مما كان مخفياً قبل نعمة الحريّة كان يجب أن يظلّ مخفياً.
الحرية مقدّسة وتستحقّ أن يصل إليها الإنسانُ ببذل دمه إذا لزم الأمر، لكنها حين تأتي تكون كشّافة للعيوب والأمراض، وأحياناً.. أحياناً تأتي الحريّة إلى الشعوب على هيئة فضيحة.