حسن العاني
واحدة من أسوأ الضرائب التي يدفعها تقدم العمر، هي ضعف الذاكرة، بحيث يختلط الواقع بالخيال، وترتبك الأحداث والتواريخ، ومن هنا فقد يصعب عليّ التمييز بين ما سمعته وبين ما قرأته، فمن بين مسموعاتي أنه بعد خروج الشعب الفيتنامي منتصراً في حربه ضد أميركا، قررت الحكومة تكريم المقاتلين المتميزين، وهنا واجهتهم عقبة، فليس بين مقاتليهم من لا يستحق التكريم، وبعد المداولات تم التوصل إلى تكريم سيدة عجوز تخطت الخامسة والسبعين من العمر، كانت صلة الوصل بين الثوار وبين قيادتهم، وبحكم عمرها أفلتت من رقابة السيطرات الأميركية، وهكذا جرى الاتفاق على تكريمها بصفتها عنوان المقاتلين ورمزهم البطولي..
في يوم الاحتفال الوطني بالتكريم حضرت العجوز وارتقت المنصة، وخاطبت الحضور معربة عن شكرها، وفي الوقت نفسه عن اعتذارها لقبول التكريم، لأن الثوار الذين أمضوا سنوات الحرب وهم في المستنقعات المائية، ويتنفسون في كثير من الأحيان عبر (القصب) لأنهم تحت الماء حتى لا تكتشف القوات الغازية مكانهم، هم أحق بالتكريم، رائعة هذه السيدة التي ذكرتني بما أود نسيانه حياء وخجلاً..
من طريف مسموعاتي أن رئيس اللجنة الأولمبية (عدي)، كان يحاسب شيخ المدربين (عمو بابا) رحمه الله، ويكيل له عشرات التهم المفتعلة، حتى إذا انتهى ختم كلامه "ليش أنت ساكت... خلي أسمع دفاعك؟" فرد عليه عمو بابا بلهجته الظريفة "والله أستاذ عدي.. لو مو أني مسيحي كان تتهمني بأن أني من حزب الدعوة"، وضحك عدي حتى سقط أرضاً.
قرأت أو سمعت، بأن نيكيتا خروتشوف، رئيس الاتحاد السوفيتي كان يلقي محاضرة على الكادر المتقدم للحزب الشيوعي حول المرحلة الستالينية، وكانت أسئلة الحضور تتم عبر أوراق صغيرة يجري جمعها ووضعها أمام الرئيس، وقد سأل أحدهم "أنت تدين تلك المرحلة ودكتاتورية ستالين، وكنت أحد قيادات الحزب فلماذا لم نعترض؟"، وهنا تساءل خروتشوف عن الرفيق الذي طرح هذا السؤال، فلم يرفع أحد يده، وبما عرف عن هذا الرئيس من ظرف قال "السبب الذي منعني من الاعتراض على سياسة ستالين هو السبب نفسه الذي جعلك ترفض الإعلان عن نفسك".
آخر مسموعاتي تصريح أدلى به مسؤول كبير، مفاده أن الحكومة تدرس زيادة الرواتب المتدنية بنسبة 40 % وتخفيض الرواتب العالية بنسبة 50 %، علماً بأنني سمعت هذا التصريح للمرة التاسعة عشرة في سنوات سابقة.