أحمد عبد الحسين
حضور العراق المميّز في قمة جدّة للأمن والتنمية كاشف عن أهمية دولتنا التي نُسيتْ في غمرة انشغالنا بحروبنا الصغيرة وخلافاتنا غير المجدية وأمراض ساستنا المستعصية "كالفساد وضيق الأفق والارتهان للخارج" التي نقلوها إلى جسد الدولة.
استقبل العراق بحفاوة يستحقّها، فمن بين الدول الحاضرة لا يسع أحد أن يكون عامل تهدئة ونقطة التقاء وجسرَ تواصل أكثر من هذه الدولة التي حُشرتْ مديداً في مشاريع ليست مشاريعها، منذ مشروع "البوابة الشرقيّة" الذي أدخلنا في حرب طاحنة لا مبرر لها، وصولاً إلى المشاريع المسلحة التي تريد للعراق أن يكون بوابة مضادّة تخرج منها مخلوقات الكراهية بأصنافها.
المنطقة تتغير، وسياسات الحكومات فيها تنقلب رأساً على عقب، لأنّ من يريد أن يحجز له مكاناً في المستقبل لن يستصحب معه الماضي. المملكة العربية السعودية التي كانتْ تهبّ من مشايخها فتاوى التكفير وكانتْ سوقاً لتصدير الظلاميين إلى محيطها تسابق الزمن الآن لمحو أخطائها وخطاياها. دولة مركزية كمصر تجاهد الآن أن تبقي على الحدّ الأدنى من حياتها وهي تنوء بمأزق اقتصاديّ كبير وضعف دبلوماسيّ أمام تهديدها بالجفاف. ملامح القوى تتبدل ومعها تتبدل خرائط المستقبل ولن ينجح في اللحاق به إلا ذو عقلية مرنة يضع التغالب والحرب والاقتتال وراء ظهره باعتبارها إرثاً من الماضي المظلم يجب نسيانه.
حدثتْ في هذه المنطقة من العالم مظالم كثيرة ارتكبها الجميع، لكنْ يبقى العارُ الأكبر هو أنّ الهاجس الطائفيّ البدائيّ كان يسيّر سياساتها حاصداً آلاف الأرواح موقفاً التنمية وجاعلاً كثيراً من دولها خارج التاريخ. وهذا هو بالضبط ما يجب أن ينتهي.
كان لافتاً تصريح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قبل القمّة وأثنائها أن العراق لن يكون منصة للاعتداء على إيران، ولن يندرج في حلفٍ ضدّ أحد، ولن يكون طرفاً في مباحثات تتعلّق بالتطبيع مع الكيان الغاصب.
هذه اللاءات الثلاث ضرورية لتشكيل صورة العراق الجديد الذي يتقدّم بديموقراطيته الناشئة "على علّاتها ومعضلاتها" إلى محفل إقليميّ خائف من ماضيه ومستقبله معاً.
جميع من في القمّة يعرف أن من يكرّر أخطاء الماضي محكوم بخسارة المستقبل.