رحلة البطل الرجل على شاشات السينما

الصفحة الاخيرة 2022/07/17
...

 عفاف مطر
 
كيف يتم ترشيح بطل الفيلم؟ ما هي المقاييس والاعتبارات؟ وهل تؤخذ فكرة البطل وشكله من المجتمع ويتم تجسيدها على الشاشة، أم أن النموذج الذي تعرضه السينما هو من يفرض شكله على المجتمع؟ 
لم تكن صورة الرجل القوي والواثق من نفسه هي صورة البطل دائماً كما في أفلام الغرب الأميركي وأفلام المحققين، بل كثيراً ما تغيرت بسبب تغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسأتعرض في هذا المقال لبعض الأمثلة: المثال الأول هو الرجل العنيف، في أفلام العصابات التي استحوذت على السينما في الثلاثينيات من القرن الماضي كفيلم The Public Enemy وفيلم Little Cesar و Scarface ، هذه الأفلام قدمت نمط البطل العنيف أكثر مما هو معهود سابقاً، حصل هذا كردة فعل للكساد الذي ضرب الاقتصاد الأميركي الكبير الذي دفع الكثير من الرجال الى حافة الجوع والفقر والبطالة في نهاية العشرينيات، وجعلت الرجل الأميركي يشعر بالعجز عن رعاية زوجته وأطفاله وحمايتهم. البطل في هذه الأفلام محصور في صورة الابن المتمرد على سلطة الأب والمجتمع، وهذا ما يفسر سر نجاح أفلام العصابات في تلك الفترة. 
أولاد الحرب
المثال الثاني هو الرجل المريض نفسياً بعد عودته من ويلات الحرب العالمية الثانية، السكير الذي لا يكاد يستعيد وعيه، والذي يعاني كل ليلة من كابوس مزعج. الأبطال في هذه الأفلام هم رجال غير قادرين على ضبط انفعالاتهم وغضبهم ويرتكبون العنف لأتفه الأسباب. في الاربعينات كان فيلم كازابلانكا نرى واحدة من أشهر قصص الحب في تاريخ السينما، حيث نرى الرجل القادر على تحمل الألم وأخفاء هشاشته أمام الحب وهي صورة الرجل الكلاكسيكية، التي جسدتها السينما في هذه النوعية من الأفلام، وفيها نرى مشاهد مكررة للبطل، وهو يجلس في البار والاضاءة خافتة يشرب ويدخن وحزين، وعادة يرافق البطل في هذا المشهد صديقه الوفي ومغني في الخلف، والحبيبة تنظر إليه من بعيد. في عام 1972 قدم الكاتب وودي الن فيلمه Play it again sam الذي حاكى فيه فيلم كازبلانكا لكن بشكل ساخر، بطل الفيلم يظهر قلقاً وضعيفاً وعصابيّاً وخائفاً من كل شيء، وهو ما يعكس الفرق بين صورة الرجل في سينما الاربعينيات عن الرجل في سينما السبعينيات. 
 
القوي الحازم
استمرت هذه النوعية من الأفلام لتجسد هذه الصور الرجالية حتى الثمانينيات، بعد مجيء الرئيس الأميركي رونالد ريغان وسيطرة اليمين على البيت الأبيض، ليستعيد الرجل الأميركي توازنه، وليظهر بمظهر القوي والحازم والذي لا ينفك عن محاولاته في انقاذ العالم ومحاربة قوى الشر، وهنا ظهرت أفلام الحركة والأكشن وانتعشت أكثر من غيرها، وأهم مثالين على هذه الأفلام هي Rambo و Lethal Weapon. بعد هجمات سبتمبر ولاشاعة الأمن في نفوس الأميركيين ظهرت أفلام الأبطال الخارقين مثل Iron Man و Hulk. بعد ازدهار صناعة السينما في العشرينيات وانتقالها الى الساحل الغربي الأميركي، ونشأة هوليوود التي جمعت عناصر الانتاج  كافة، اعتمدت الاستوديوهات الكبرى نظام صناعة نجم السينما المستلهم من صناعة نجم المسرح. عمدت هذه الاستوديوهات الى تبني من تراه مناسباً وفق مقاييس ومعايير معينة، وأحيانا تختلق له تاريخا مزيفا عن رحلة كفاح أوصلته الى هوليوود، فقد كان مهماً حينها نشر صورة مثالية عن النجم لتجعله مثلاً يجتذى به. 
 
شعبية النجوم
حقق نظام صناعة النجوم أهدافه، وأصبح نجاح الفيلم يعتمد على شعبية نجومه أكثر من جودة القصة وطريقة تنفيذها. ولكي تحافظ الاستوديوهات على صور نجومها صارت تراقب تفاصيل حياتهم وسلوكهم العام وأدق تفاصيلهم، كي لا تتأثر صورتهم في عيون الجماهير وينعكس هذا التأثير على الاستثمار الضخم فيهم. في الخمسينيات، وبعد ظهور التلفزيون ولمنافسته كان على الاستوديوهات تطوير نجومها ليبدو أكثر واقعية، فكان النجم يتلقى دروساً في التمثيل والغناء والرقص، مع بقاء مراقبتهم ومراقبة سلوكياتهم. في البداية نجح هذا النظام الصارم، لكن مع الوقت بدأت السلبيات في الظهور أدت في بعض الأحيان الى فقدان حياة بعض الممثلين، مثل موت مارلين مورنرو في عام 1962 ومن ثم لحق بها Montgomery Clift الذي أدمن على الكحول والأدوية، حتى لقي حتفه في عام 1965 ثم جاءت موجة صحف الفضائح وكثرت القضايا بين النجوم والاستوديوهات، مطالبين بفسخ تعاقداتهم أو تعديل شروطهم واستمر الحال هكذا حتى اختفى نظام النجم وانتهي في السبعينيات. مع الوقت بقي الجمهور مولعاً بالنجوم، لكنه لم يعد يبالي بالصورة المثالية لهم. 
في النهاية لم يعد البطل القوي والعنيف والواثق من نفسه، هي الصورة المفضلة لدى الجمهور، بل على العكس أصبحت محلاً للسخرية من الرجال قبل النساء.