ضحى عبدالرؤوف المل
يثير الكاتب " دان اريكسون dan Ericson" الكثير من القضايا الأخلاقية في قصة مظلمة ترتكز على الفصل بين الحياة والعمل، ليعيش الإنسان كآلي مبرمج للعمل فقط، وما يحدث من تأثيرات على الأنسان أثناء العمل تنفصل كليا تلقائيا عن ذكرياته بعد اجراء تعديلات على المخ . ليصبح أشبه بكائن آخر لا ينتمي لذكرياته التي يتم ازالتها من خلال جراحة دماغية، تجعل منه كشخص بلا ذكريات ولا منغصات في العمل .فيحتفظ بجزء عقلاني عملي خاص فقط عند قراره بالدخول للعمل في شركة" لموند" المسؤولة عن اجراء هذا الفصل، الذي رفضته لاحقا زميلة مارك هيلي أو بريت لووير محاولة الإنتحار أكثر من مرة.
الخيال التجريبي
الموافقة على اجراء الفصل هو اللغز في مسلسل ( Severance) وحلقاته القصيرة في جزء أول . ربما يكتمل لاحقاً، إلا أنه مثير كنوع درامي محفوف برؤية "فرانز كافكا" وسوداوية ما بعد الحداثة في عصر بدأ يتسم بما بعد الحداثة، والكشف عن خبايا العقل الباطن، وقدرات النفس العاقلة التي تسعى الى الكمال في العمل، وهذا ما لا ينطبق على المثل الإنسانية عبر الخيال التجريبي درامياً. فهل الرفض الاجتماعي لفصل الحياة الشخصية للانسان عن العمل يؤدي الى الغاء الوصول لما يسمي ما بعد الحداثة في كل التفاصيل التي تبحث عن تعقيد العالم؟ وهل شركة "لموند" وضعت الانسان تحت اختبارات تجريبية مركبة لكل منها رقمها الخاص. لتصبح الحياة كعقل حاسوبي يبرمج الموظف ضمن طقوس كافكية مأساوية، الازالة لذكريات وفق تعقيد لا يمكن فهمه بسهولة؟ وهل الشخص العظيم سيتبع نفسه في نهاية التجربة؟ وهل يخطر بالبال أن أفضل طريقة للتعامل مع ازمة حياتك ليست تعطيل مخك نهائيا بل نصفه؟
سوداوية تكنولوجيَّة
بنى اريكسون علاقة قوية مع الواقع مقترحا عدة رؤى منها فصل الذكريات لحياة عمل قوية. ليتخطى الانسان ما يؤلمه في الحياة، ويؤدي الى انعكاسات سلبية في العمل والانتاج. الا أنه ايضا يحاول الوصول الى اختصار أننا مجرد أرقام تنتهي وتبدأ اخرى لتتزن الحياة على الأرض .الا أن أساليب المجتمعات وأعرافها تحارب من منظورها كل تجديد يحمل نوعا من تشاؤمية، وأيضا مثالية تجسدها شركة لموند التي تخطط لاختبارات نفسية قمعية في خلفيتها وسرية، لدرجة القتل إن تم اكتشاف سرية هذه الاختبارات المؤلمة والمتحكمة بالانسان في حبكة درامية أساسها وظيفة غريبة، وهي تنقية البيانات أو الأحرى تجميع وازالة الأرقام التي تومض على شاشة الكمبيوتر. الا أن هذه الوظيفة تحتاج للأذكياء الذين يتطوعون من تلقاء نفسهم للعمل في هذه الشركة التي تمثل ارادة الحياة وقوتها في فرض الشروط لمتابعة الحياة . فهل ما نختبره في الحياة يحمل تناقضات الأبيض والأسود والدخول في متاهة تنقية النفس من تلوثات الماضي. وهل نستطيع الانطلاق بعد كل فاجعة بشخصية جديدة ؟ وهل بدأنا دراميا بما بعد الحداثة من خلال هذا المسلسل تحديداً؟ أم أن فرانز كافكا بمؤثراته كاملة فرض نوعا من سودواية تكنولوجية وعصر عمل جديد يتسم بالسوداوية؟ او هذا العصر يحتاج لتنقية بشرية ليكتمل؟.
الاندماج الكافكاوي
ترتبط الشارة عبر الصورة والصوت بالاندماج الكافكاوي ومعناه، عبر تقاطع وتلاقي بجمالية تلعب فيها السريالية نوعا ستراتيجيا تصويريا. الا أن المخرج تخلى عن السودواية باللون الأبيض المعاكس للسواد، وبتركيب تصويري مجازٍ مذهل، وملخص للحلقات العشرة من جزء أول انتهى عرضه بانتفاضة الموظف مارك، والمرأة الوحيدة التي تواجدت بين مجموعة من رجال في عمل واحد. الا أنها لم تتقبل هذه الإزالة لذكرياتها بل حرضتها لمعرفة ما الذي تفعله في هذه الشركة، وهذا استفز مارك الذي يلعب دوره بشكل مميز وملفت"مارك سكوت" بعد أن حاولت ايذاء نفسها البحث عن الأسباب، فانتفض على هذه البيانات، التي تتم تنقيتها تماما كما الأنسان في الحياة (الولادة والموت) وهو من يقود فريق عمل تمت تقسيم ذكرياتهم جراحياً، فانمحت حياتهم الشخصية وبعضهم أصاب بهلوثة الذكريات وايحاءاتها السريالية والغامضة. فهل علينا اكتشاف حقيقة وظائفنا في هذه الحياة؟ وهل الانسان يتمسك بماضيه بشكل لا يقبل الحذف أو التخطي لأننا استمرار لماضٍ في حاضر يقود الى مستقبل غير كافكاوي؟ أم أن الاستياء العام والسخط من عصر حديث هو من انجب هذا الاتجاه من الكتابة الدرامية؟ وهل الاحتضار المرير للواقع الحالي يولد جنون عظمة لنفس تتخبط بين الانسلاخ عن القديم والتجديد من خلال سلخ الذكريات كما هو الحال في مسلسل severance أو قطع؟.