علي حمود الحسن
شخصيتان عبقريتان لولاهما لما كان فيلم العراب- دون إغفال صناع الفيلم الرائعين- هما: فرانسيس فورد كابولا، وهو مخرج وكاتب سيناريو ومنتج أميركي من أصل إيطالي ولد في العام 1939، كان مغموراً لكنه واعد، كلفته شركة "باراماونت" بإخراج فيلم "العراب"، بعد رفض 30صانع سينما إخراجه، لتخوفهم من قصته التي تتحدث عن المافيا، وبدلا من تحول كابولا إلى دمية بيد الشركة ومدرائها المذعورين من شبح الإفلاس، وجدوا فيه مخرجاً عبقرياً وطوق نجاة، ما أتاح له فسحة حرية، فاختار ممثلين ملعونين ومرفوضين من الشركة على شاكلة مارلين براندوا وآل باتشينو، وأصر على كتابة سيناريو متكامل بمشاركة ماريو بوزو مؤلف الرواية، فاذهل إدارة الشركة، ونجح الفيلم نجاحاً أسطورياً وأنقذ "بارامونت" من الإفلاس، محققاً إيرادات بلغت 286مليون دولار، بينما لم يكلف إنتاجه سوى 6.5مليون، بعدها أنجز الجزء الثاني، الذي فاز عنه بجائزة أوسكار أفضل مخرج، وجاء جزؤه الثالث مخيباً للآمال.
أخرج كابولا أفلاماً شكلت علامات فارقة في تاريخ السينما أبرزها: "الرؤيا الآن"، و"المحادثة"، فضلا كتابته سيناريوهات أفلام خالدة، منها: "غاتسبي العظيم".
الشخصية الأخرى، التي طغى عليها اسم كابولا، ولا يعرفها الكثيرون، هي شخصية مدير إنتاج شاب اسمه إلبرت رودي (1930) اختاره روبرت ايفانز مدير إنتاج بارامونت البارع، وهو اختيار أقرب إلى المغامرة، فرودي في الأصل يعمل مبرمجاً وخبرته محدودة في الإنتاج، لكنه من جهة أخرى نابغة وجسور، واجهته مشكلات معقدة، منها: موضوعة الفيلم الذي يتحدث عن المافيا، ما ازعج قادتها، فقرروا منع تصويره، لكن رودي نجح باقناعهم؛ بأن الفيلم ينصف المهاجرين الإيطاليين، فدعموا إنتاجه، مقابل حذف كلمة "مافيا" من السيناريو، وكذلك رفضت شركة بارامونت ترشيح مارلون براندو المزاجي غير مضمون السلوك، فتحرك رودي وماريو بوز المؤلف وكابولا إلى بيت براندو، الذي وافق على العمل بأجر زهيد -على الرغم من مكانته- نكاية بالشركة وبفرانك سيناترا، الذي استغل نفوذه وقربه من العصابات المنظمة لمنع تصوير الفيلم، لاعتقاده أن الرواية والفيلم فيما بعد، أظهراه فنانا ضعيفا فاشلا، فضلا عن دفاع رودي المستميت لمؤازرة كابولا في اختياره آل باتشينو لتجسد شخصية مايكل، على الرغم من رفض الشركة ومدير إنتاجها لهذا الممثل "القصير والمغمور منحني الظهر" .
أكمل رودي الفيلم بميزانية 6 ملايين دولار على الرغم من تخصيص الشركة 2.5 مليون دولار لإنتاجه، ونجح الفيلم، وحصل رودي على أوسكار أفضل إنتاج، هذه التحية لهذين العملاقين راودتني بعد مشاهدتي لمسلسل " العرض (2022) الذي يتحدث عن أسرار وكواليس "العراب".