أحمد عبد الحسين
صلاة الجمعة الأخيرة في مدينة الصدر استعادتْ ذكرى الصلاة الأولى حقاً، ليس بسبب العدد الكبير الذي حضرها، ولا بسبب التغطية الإعلامية التي رافقتْها، لكنْ لأنّ الصدريين اليوم ـ لأول مرة منذ زمن بعيد ـ خارج العملية السياسيّة تماماً. تخلّيهم طواعية عنْ تمثيلهم البرلماني الأكبر أتاح لهم حريّة أنْ ينتقدوا سير هذه العملية بقوّة وأن يتضمّن خطاب زعيمهم شروطاً يريد تحقّقها في الحكومة المقبلة. صحيح أنهم كانوا في ما مضى محتجين حتى وهم ركنٌ أساس من أركان السلطة، لكنّ خطاب المتخلي عن المكاسب أكثر إقناعاً وتماسكاً من خطاب المشترك فيها.
منذ نشوء العملية السياسية الجديدة في العراق لم تكن المعارضة البرلمانية سوى اسمٍ لا يحمل من معناه شيئاً يُذكر، لأن الجميع مرتبطٌ بزعيم حزبه أو تياره المرتبط هو الآخر بمغانم السلطة ارتباط الجنين بالمشيمة، فلم يكن حديث عن معارضة برلمانية إلا بكثير من التجوّز المصحوب مع ذلك بسخرية وتشكيك. ولذا كانت المعارضة دائماً تأتي من خارج السياسة، من فاعلين ليسوا سياسيين، من المحتجين والناشطين ومنظمات المجتمع المدنيّ.
يرسم الصدريون اليوم خارطة مختلفة، فهم خبروا العملية السياسية مطوّلاً وخرجوا بإرادتهم منها، خروجهم يتيح لهم حريّة في الأداء المعارض، وخبرتهم تتيح لهم فهم المناطق التي يكونون فيها مؤثرين، ومن العسير تجاهلهم.
ستكون أمام الحكومة المقبلة ـ كيفما كان لونها وشكلها ـ معارضة مضاعفة: الجيل المستقلّ الذي صقلته تجارب الرفض ـ وآخرها تشرين ـ والجيل الصدريّ الجديد الذي وجد نفسه ـ بعد سلسلة احتجاجات ـ حرّاً من تبعات الاشتراك بالعمل السياسيّ بعد التخلّي عن فوزه الانتخابيّ. وكلا الجيلين له كلمة يجدر بالحكومة المقبلة سماعها.
القادمون إلى الحكم بانتظارهم عمل شاقّ ومضنٍ، لن يُكتب له النجاح إلا بوضع شروط الشارع نصب أعينهم، وهي شروط تخالف جملة وتفصيلاً مسيرة الحكومات السابقة التي خاض فرسانها مديداً بصفقات الفساد والتكالب على المغانم والارتهان للخارج. ونحن لا نعرف ملامح الحكومة المقبلة بعدُ، لكننا بتنا نعرف جيداً ملامح المعارضين.
ليس الانسداد والانغلاق قدراً، لكنّ تكرار الماضي بكل خطاياه منذر بتكرار النتائج.