أحمد عبد الحسين
أكثر شيء برع فيه الساسةُ عندنا هو إثارة الهلع.
يعرفون كيف يجعلون الشعب مرعوباً، لأنهم منذ التغيير يجرجروننا من خوف إلى خوف أكبر، خوّفونا من البعث وعودته، ومن الإرهاب وسطوته، من انفلات الأمن وموت العملية السياسية ومن الفقر ومن تقسيم الوطن، من الأميركان إذا بقوا ومن الأميركان إذا انسحبوا، من عودة المفخخات، من التوافق الطائفي لأنه يجعل الميزانية حصصاً ومن غياب التوافق لأنه يجعل الحرب وشيكة، حتى صرنا نخاف من الأمر ونقيضه بحسب ما تمليه علينا أهواؤهم ومصالحهم.
هذه الأيام يكثرون من ترداد مصطلح الفتنة ويحذرون منها بإفراط. فهم يتصارعون في ما بينهم حدّ التشاتم وتبادل التهديد وتكسير الصحون، لكنّهم فجأة ينسون ما هم فيه من التباغض ويلتفتون لأيّ همسة من إعلاميّ أو مدوّن يشير ولو من بعيدٍ إلى احترابهم؛ قائلين له: أنت تثير الفتنة.
والفتنة نائمة كما تعلمون في قيلولتها الطويلة، لا يوقظها صوت صاروخ ولا زخات رصاص ولا الصياح والشتائم ولا أنباء الفضائح، لكنْ قد توقظها كلمة من صحفيّ أو مدوّن أو تعليق من مواطن مقهور على ما يجري من صراع هو أبعد ما يكون عن الفروسية والنزاهة.
سهلٌ على ربّ البيت أن يثير رعب عائلته، أن يخيف أبناءه ويقلب حياتهم جحيماً، وسهل عليه أيضاً أنْ يتهم أبناءه بإثارة الفتنة كلما اعترضوا ولو همساً على هذا الكابوس الذي هم فيه.
البيت المنقسم على نفسه لا يحتاج ليصبح جهنم سوى إلى أب نذلٍ يقضي حياته بإخافة عائلته ليظلّ هو الحاكم المسيطر.
أظنّ أننا بحاجة إلى فحص سريريّ للفتنة عندنا، فهي على ما يبدو ليست نائمة، ربما تكون ماتتْ منذ زمن بعيد، فهي لا تستيقظ أبداً برغم كل هذا الضجيج الذي يثيره الساسة.
الفتنة مجرد جثة يحتفظ بها أصحابها لإخافتنا لا أكثر.