أودع فينا ترانيم الجمال

الصفحة الاخيرة 2022/07/20
...

سامر المشعل 
 
المبدعون لا يموتون، إنما يؤدون رسائلهم بالحياة ويغادرون، والمبدع الكبير وشيخ الملحنين محسن فرحان، قد صاغ رسالته بمشاعر الحب والابداع الصادق، الذي تهتز له أوتار القلب طربا لانغامه، وهي تلامس الروح بشفافية، وتمسح أدران الحزن عن الناس ليبادلهم بشلالات من جمال الموسيقى والألحان.
انه يترجم المشاعر الانسانية بصدق وعذوبة، وكأنه يتحسس المفردة والصورة الشعرية، فيحولها الى ترنيمة يتغنى من بعده العشاق والناس. فيقول - رحمه الله - وأنا أمشي في الحارات الشعبية في كربلاء المقدسة، سمعت جملة "يامسيت العافية"، فأعجبت بعفوية وعمق هذه الجملة، فطلبت من الشاعر زامل سعيد فتاح أن يكتب لي أغنية عن هذه الجملة، التي لها وقع خاص عند العراقيين، فحوّل محسن فرحان هذا المقطع من أغنية "ياهوى الهاب" بصوت المطرب حميد منصور، إلى ترنيمة يرددها الناس، عندما يعلو صوت الحنين والشوق في دواخلهم.
محسن فرحان أودع فينا ترانيم الجمال بثراء إنساني نادر، وترك أغانيه متعرشة في الذاكرة الجمعية، له إرث إبداعي لا يحصى من الجمال مثل أغنية "غريبة الروح، أنت العزيز تغيرت، عيني عيني، ما بيه عوفن هلي، يافيض، المطار، زمان يازمان، ياهوى الهاب، شكول عليك، ايكولون غني بفرح، باجر العيد يانجوى.." وعشرات 
الأغاني، التي يحفظها العراقيون ويرددونها في مناسباتهم المفرحة، وعندما تتوق الروح إلى الانعتاق من أسارى الحزن 
والأسى.
محسن فرحان عاشق كبير للحياة، ظل طوال حياته يقدم العطاء، حتى آخر أيامه، فقبل أن تنتكس صحته بأيام معدودة، أقام مهرجان الأغنية التراثية بأصوات الشباب، وبمجهود فردي، وكان سعيدا وهو يرى الجمهور مستمتعا بسماع الأغاني العراقية الجميلة، التي تنظف الأسماع من ادران ما علق بها من غناء 
مستهلك.
فضلا عن كونه أحدث نقلة نوعية في خارطة النغم العراقي، من خلال الحداثة الغنائية الذي كان احد روادها البارزين في عقد السبعينيات من القرن الماضي، على مستوى الأنغام والإيقاعات والمقدمات الموسيقية المستخدمة بسلالة وعذوبة المحترف الماهر في صناعة 
الأغنية.
رحم الله أبا ميديا سيبقى بفنه وخلقه وتواضعه أنموذجا يحتذى به لمن جاء من بعده، وماثلا في الذاكرة الجمعية، لكل من عرفه أو طرقت مسامعه ألحانه.