وداعاً محسن فرحان سلطان الأغنية السبعينيَّة

الصفحة الاخيرة 2022/07/20
...

 بغداد : نورا خالد
عن عمر ناهز خمسة وسبعين عاما رحل أيقونة اللحن العراقي الكبير محسن فرحان أول أمس الاثنين بعد معاناة مع المرض.. رحل تاركا إرثا فنيا كبيرا لا يمكن نسيانه.
يعد فرحان من أبرز ملحني الأغنية العراقية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث صاغ الكثير من الروائع الغنائية، أبرزها "غريبة الروح" لحسين نعمة، و"يكولون غني بفرح" لقحطان العطار، وعشرة عمر" لفؤاد سالم، و"البارحة" و"عيني.. عيني" لسعدون جابر وغيرها.. 
صديقه والذي غنى له أجمل الألحان المطرب الكبير سعدون جابر أشار في حديثه لـ"الصباح" وفي صوته غصة إلى أن " الراحل محسن فرحان ثالث اثنين في خارطة اللحن العراقي، هما طالب القره غولي وكوكب حمزة ،  جاء محسن ليكون ثالثهم ويترك نفسا جديدا في التلحين العراقي، بقيت أغنياته خالدة وستبقى لمئة عام المقبلة أو أكثر،  جاء محسن ليكون ثالثهم ويترك نفسا جديدا في التلحين العراقي، بقيت أغنياته خالدة وستبقى لمئة عام المقبلة أو أكثر.
 ولد في الكوت وانتقلت أسرته إلى كربلاء، فتأثر بالطقوس الموسيقية الحسينية تأثرا كبيرا، ونهل من التراث الموسيقي الحسيني، ومن  هذه الطقوس استمر فرحان يعطي الألحان الرائعة لكل مطربات العراق ومطربيه، وقد خصني بالجزء الكبير منها كانت ألحاناً مشرّفة للاغنية العراقية وللمطرب الذي اداها، وكانت سببا في شهرة الكثيرين، جاءني في العام 1973 حاملا تقريبا اللبنات الاولى للتلحين  المحسني من خلال  أغنية "عيني عيني"، سجلتها في نهاية العام نفسه وكان هذا أول عمل جمعني به".
وأضاف جابر "الراحل قمة في كل شيء في الفن والأدب والأخلاق والكرم والضيافة لم يطلب يوما من أحد أن يعطيه أجورا للحن اعطاه اياه، ولم يطالب بهذا الحق سيبقى خالدا في ضمائرنا، فقدناه لكنه تركنا جسدا وسيبقى روحا ترفرف بيننا تعيش أبدا".
فارق فرحان الحياة في مستشفى الكندي وسط بغداد، بعد أن تدهورت حالته الصحية السبت الماضي بشكل خطر جداً، حيث فقد الوعي بشكل تام وبعد دخوله المستشفى ساءت حالته، وبدأ يصارع الموت بعد أن هبطت نسبة الأوكسجين في الدم بشكل كبير.
الملحن ابراهيم السيد قال عن الراحل إنه "يعدُّ قامة من قامات الموسيقى العراقية، ملحنا بارعا في اختياره الجمل الغنائية الموسيقية، وبارعا  في اختياره النص الغنائي وكيف يتعامل معه". 
وتابع "غنَّى له أغلب المطربين العراقيين، نذكر منهم سعدون جابر "عيني عيني"، و"عبر على جفوني حلم" و"المطار" وأغنيته "نجوى" وغيرها، ولقحطان العطار اغنية "يكولون غني بفرح" و"شكول عليك"، ولرضا الخياط "طير الحمام"، اما حسين نعمة "ما بي عوفن هلي"، و"غريبة الروح".  وعزّى المطرب وحيد علي نفسه والوسط الموسيقي والذائقة العراقية الاصيلة، برحيل أيقونة اللحن العراقي وجمالها محسن فرحان".
عاداً رحيله  هو "رحيل للأغنية العراقية الأصيلة فلم تكن ألحانه ولخمسين عاما ولألمع نجوم الطرب العراقي محليَّة فقط، بل استطاع إيصالها إلى المغرب العربي والخليج العربي، يمتاز بالعذوبة والجمال واختياره للكلمات والمفردة، هي الأهم وألحانه تمثل جمال روحه".
واكمل علي حديثه لـ"الصباح" ، " زاملته منذ فترة طويلة مرَّ بظروف صعبة جدا في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه لم يسترخص نفسه ولم يبع إلحانه لأجل أن يعيش وهو كان في امس الحاجة، الحديث عن محسن فرحان طويل، ولا يمكن اختزاله بدقائق معدودة، فمسيرة حياته حافلة بالعطاء والانسانية والانجازات الكبيرة، رحل لكنه سيبقى في ذاكرتنا وذاكرة العراقيين المتذوقين. وأخيرا أقول "وداعا عندليب اللحن 
العراقي".
محسن فرحان من مواليد مدينة الكوت عام 1947، وبدأ التلحين أواخر الستينيات وذاع صيته في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بعد أن قدم العديد من الألحان المهمة لكبار المطربين، والتي ظلت خالدة في ذاكرة الفن العراقي.
وقال الملحن علي سرحان بألمٍ كبير إن "للراحل بصمة في الغناء العراقي، ترك اثرا كبيرا، وفقدانه موجع، ولكن عزاؤنا أنه باقٍ معنا، من خلال الحانه للأغاني العراقية الأصيلة، والتي قدمها بشكلٍ فيه حداثة وتجديد بموسيقاها،  قدم أعمالاً لا تنسى". وختم سرحان حديثه "يخونني التعبير بإعطاء حقه من كلمات، ففي داخلي غصة كبيرة لفقدانه، برحيله فقد العراق قامة فنية كبيرة لا يمكن 
تعويضها".
ونعت الفنان طلال علي الراحل بشيخ الملحنين وآخر عمالقة اللحن السبعيني، موضحا أنه "من مواليد 1947 في مدينة الكوت، انتقل هو  وأسرته إلى مدينة كربلاء ودرس اللغة الإنكليزية، واختص فيها وكان ولعه بالموسيقى كبيراً جدا، فدرسها وتعلق بالموسيقى منذ صباه، وكان منشدا في فرقة انشاد محافظة كربلاء، ولكنه لم يكتف بذلك، بل فاجأ الجميع بتعلمه على آلة العود وآلة الاوركوديون، وقرأ جميع كتب الموسيقى وتعلم التدوين الموسيقي بمساعدة استاذه (لطيف رؤوف) في محافظة كربلاء، وبعدها دخل محسن فرحان معهد الفنون الجميلة". 
وأكمل علي "في العام 1972 بدأت شهرته الحقيقية بـأغنية (غريبة الروح)، بصوت حسين نعمة وكلمات جبار الغزي، لتكون جواز سفره لكل القلوب وانطلاقة لعشرات الأغاني، حيث لحن لصوت حسين نعمة (مابيه اعوفن هلي -  كوم انثر الهيل - حضن المحبة – فاركونه - خسارة يازمن - بين عليه الكبر)، ولصوت سعدون جابر (عيني عيني- لتصدك اليحجون - دمعة كحل - البارحة)، ولصوت قحطان العطار (آه يازماني - يكولون غني بفرح - لو غيمت دنياي - شكول عليك – زمان - يافيض)، ولصوت حميد منصور (ياهوى الهاب - تردون)، ولصوت رضا الخياط (طير الحمام - هلا ياعيني)، وعشرات الاغاني لصباح السهل وفؤاد سالم وسعاد عبدالله وكريم حسين وغيرهم، كما لحن قصيدة بدر شاكر السياب (هل تسمين الذي كان غراما)، وغناها سعدون جابر، شغل منصب رئيس جمعية الملحنين والمؤلفين، ومستشارا لاتحاد الموسيقيين، وعضو اللجنة الوطنية للموسيقى لحين وفاته، شارك مع قناة البغدادية في برنامج (على خطى النجوم)، لرعاية الأصوات الشابة، كان آخر انتاجه اغنيتين لصوت حسين نعمة اغنية ( ضياع) للشاعر لطيف حسين، و(عندي الليلة هموم هواي) للشاعر سعدون قاسم، ولصوت ياس خضر اغنية (سود الليالي) للشاعر زهير الدجيلي ومكي الربيعي، واغنية (شفتونه نحبكم) للشاعر عدنان 
هادي".
 تعرض الراحل في الفترة الاخيرة لوعكات صحيَّة كثيرة، و تم بتر ساقه، وأصبح يتنقل بكرسي متحرك، ولكنه لم يعيقه شيء، فقد كان نشطا يعمل المهرجانات، وكان له مهرجان الأغنية العربية السنوي في نادي العلوية، ويحضر كل الأمسيات ويدلي بآرائه الفنية في اللقاءات التلفزيونية والاذاعية، ورغم رحيله ستظل اغنياته هوية عراقية خالصة وحضارة موسيقية اصيلة وتبقى أجيال وأجيال تتغنى بها.
بصوت يملؤه الحزن نعى الملحن رحيم هاشم الفنان الكبير محسن فرحان، بالقول "قامة عراقية كبيرة وبيرغ عالٍ ونجم ساطع في سماء العراق، ملحن لا يتكرر، أثرى المكتبة التلفزيونية بالعديد من الأغاني العراقية، والتي دخلت لقلوب جميع العراقيين وما زلت ألحانه وأغانيه تردد الى يومنا هذا، لما يمتلكه هذا الملحن من ثقافة عالية وإمكانية كبيرة في تقديم الألحان غير المستنسخة، كما يستخدمها بعض الملحنين في هذا الوقت، له طريقة خاصة وروحية غريبة عجيبة وإحساس كبير بوضعه للجمل اللحنية المستساغة".
خاتما "فقدانه خسارة كبيرة للثقافة العراقية وللفن بصوره عامة.. وداعا أبا ميديا الكبير بكل شيء". وكتب الموسيقار علاء مجيد على صفحته في "الفيس بوك"، " ببالغ الحزن وعظيم الأسى تودع اللجنة الوطنية العراقية للموسيقى أحد أهم أعضائها صاحب الألحان الشجية والمترفة، الملحن والفنان الكبير محسن فرحان، والذي وافاه الأجل مساء الاثنين الموافق 18-7-2022 في أحد مستشفيات بغداد اثر صراع طويل مع المرض.. باسمي واسم اعضاء اللجنة لا يسعني، إلا أن أتقدم بأحر التعازي لأسرته 
ومحبيه".
كما أعلنت دائرة الفنون الموسيقية ايقاف جميع نشاطاتها الفنية، لمدة ثلاثة أيام، معلنة الحداد على روح الفنان الكبير محسن فرحان.