أحمد عبد الحسين
صارَ واضحاً أن الانتخابات لوحدها غير قادرة على تأسيس شرعية للحكم. فنحن دائماً نحتاج ـ مع نتائج الانتخابات ـ إلى أمر آخر ليكتمل نصاب الشرعية عندنا. بعضٌ ـ الأغلب ـ يرون هذا الأمر الآخر في المحاصصة ولا شيء سواها، آخرون يريدون الاحتكام للسلاح، كثيرون يرون في أوامر الجيران أو الأميركان مكملاً ضرورياً للديموقراطية، ولا أحد منهم انتبه إلى شرعية حقيقية نحتاجها أشدّ الحاجة خصوصاً حين تداس أصوات الناخبين بالأحذية، تلك هي الشرعية الشعبيّة التي إنْ لم يكن صوتها واضحاً ومحترماً في صندوق الاقتراع فسيكون مدوّياً فارضاً احترامه عنوةً في الساحة.
وهمانِ كبيرانِ يؤسسان لهذا الخلل:
الأول الثقة المفرطة في كون إجراء الانتخابات "مجرد إجرائها" قادراً على إقناع الناس والعالم بكل منظماته ودوله بأننا ديموقراطيون نؤسس شرعية حكمنا انتخابياً حالنا حال دول العالم الديموقراطية. وهو وهم افتضح مراراً، فضحته نسبة المشاركة المتدنيّة كما فضحته الأزمة التي تعقب كل "عرس" انتخابيّ.
الوهم الآخر تجده في خلط السياسيين بين جمهورهم الانتخابيّ وجمهورهم الفعليّ، فهم ينسون أن الفئة الأولى لا تتذكرهم سوى دقيقتين كل أربع سنوات حين يغطون أصابعهم في الحبر البنفسجيّ ثم ينصرف كلّ منهم لشأنه، أما الفئة الأخرى فهي الجمهور الفعليّ القادر على إسماع صوته داخل الصندوق وخارجه.
شرعية الحكم لم تؤسس على الديموقراطية ونتائجها، ولذا فإنّ النهج غير الديموقراطيّ هو الذي كانت له الغلبة في تحديد من يصل ومن لا يصل إلى السلطة. بعد كل انتخابات نحتفل بإجرائها يكون الحديث عن رأي إيران وأميركا بهذا وذاك، وعن صفقات مليارية في بازار الوزارات، وعن استقواء بالسلاح، وعن مداولات لفرز الحصص، وعن تسييج لممتلكات المكوّنات، وعن كلّ شيء تقريباً عدا نتائج الانتخابات.
حين تخدعني مرة أولى قد أسامحك وأسامح نفسي، تخدعني مرة أخرى قد أسامح نفسي لكني لن أسامحك، في الثالثة لا أحد يستحق أن أسامحه لا أنا ولا أنت.
الساسة احتقروا الجمهور الانتخابيّ الذي يحلو له أن يكون سياسياً لمدة دقيقتين كلّ أربع سنوات، فخلقوا جمهوراً فعلياً يتذكر السياسة صباح مساء، جمهوراً كان في ما مضى ناقداً فأصبح ناقماً.