التخابر والأمن الوطني

الثانية والثالثة 2019/03/28
...

حسين العادلي
 
يقول المؤرخ البريطاني آرنولد توينبي: (إنَّ تسع عشرة حضارة من أصل إحدى وعشرين قد تقوّضت من الداخل بواسطة شبكات التجسس والمخبرين).
لا تعد جريمة التخابر مع الأجنبي جريمة سياسية وحسب، وهي ليست جريمة معزولة أو محدودة أو آنية الضرر، بل هي جريمة شاملة وممتدة تطول جميع مرافق المجتمع والدولة، لذلك نرى التشدد بالعقوبات الرادعة لهذه الجريمة التي تعد خيانة عظمى.
الدولة كيان وطني سيادي مكتمل الأركان تتكفل بحمايته ستراتيجية شاملة للأمن الوطني، وإلاّ هدّها الاستلاب والتخابر والتجسس لصالح الأجنبي (غير الوطني). وستراتيجية الأمن هي منظومة الرؤية والموارد والخطط المعنية بالحفاظ على أمن الوطن والمواطن ومصالح الدولة حماية وردعاً. وتتجسد بقدرة الحماية الذاتية المتكاملة للدولة والمتأتية من خلال الخطط الشاملة والتطبيقات المتجانسة والبدائل المتعددة التي تتمكن بها الدولة من خلال منابع قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية من تحقيق مصالحها الوطنية. 
جميع الدول تمتلك ستراتيجيات أمن وطني لصيانة وجودها ومصالحها، وليست العبرة بامتلاكها في أروقة المؤسسات ما لم تكن حاضرة وفاعلة ويحتكم إليها من خلال: استقراء ومسح التهديدات القائمة والمتوقعة سواء الخارجية منها أو الداخلية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية التي تهدد المصالح الوطنية، وإعداد البرامج المرحلية والستراتيجية من خلال خطط مُحكمة متعددة البدائل للتصدي إلى التهديدات التي تواجه الدولة. لكن، ما لم تكن هناك وحدة للدولة وبنية متكاملة لكيانها وتحديد واضح لمصالحها وحكم فعال قادر على الاستجابة للتحديات فلا يمكن ضمان أمن الدولة تجاه أي تهديد قائم ومتوقع.
على ضوء معايير الستراتيجيات الأمنية المعمول بها، هناك أسئلة تُطرح تجاه مظاهر الاستلاب للدولة، بدءاً بالتخابر العلني مع الأجنبي من قبل البعض والتماهي مع مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية، إلى اجتياح (دونما ضوابط ورقابة) المنظمات الدولية للدولة تحت عناوين شتى!! أوليس من حق الدولة (قانونياً وأخلاقياً) على رعاياها حفظ أمنها ومصالحها وسيادتها؟! لكن مهلاً، هل يمكن الحيلولة دون التخـابـر وبنـيـة الدولـة هشة تعاني الانقسام ويسودها احتراب الرؤى والإرادات والأجندات على عدد القـوى المتصارعة فـيها؟ وهل للدولة المأزومة من مصدات ذاتية تحول دون اختراقها؟ وهل لنظام المكوّنات المتصارع على الهوية والسلطة والثروة والأرض من مناعة ذاتية؟ وكيف لدولة تفـتقد وحدة السلطة وواحدية المؤسسات وأحديـة الـقــرارات وعلـوية المصالح من قدرة على صد الاختراقـات؟ ثم كيـف يمكن للسلطة المتغوّل عليها من قبل المجتمع والجماعات والمجموعات من وحدة إرادة وقرار ومصالح تصونها وتدافع عنها وهي فاقدة للهيمنة والإلزام تجاه رعاياها؟ وهـل الدولـة المـراد إغراقها بالفـوضى والإرهاب والعنف والفساد قادرة عـلى الصمود أمام الاختراق؟! هل لدولة لم تنجز مسطرتها الذاتية للعدو والصديق والمنافس والمتآمر من قدرة على التعاطي مع أجندات الأجنبي وأطماعه؟ أسئلة تبحث عن أجوبتها عند من يعي خطورة أزمات التخابر واجتياح السيادة.
مهمة الحفاظ على الدولة وأمنها الستراتيجي (حماية وردعاً) هي مهمة عراقية تقع على عاتق الجميع، ولإنجازها تحتاج الدولة إلى: بناء متكامل، وتضامن جماعي، وردع حيوي شعبي وحكومي ونخبوي تجاه أي تخابر أو تجسس أو تبعية أو استلاب يطول الدولة ومصالحها الوطنية السيادية.