يوسف نمير
تولد عن الاتجاه البنائي الوظيفي في علم الاجتماع نظرية أو مدرسة تعرف بمدرسة او نظرية التوازن الاجتماعي أو النظام الاجتماعي, وسيطرت هذه النظرية على الفكر الاجتماعي الغربي فترة طويلة, إلا أن قيام الثورة الفرنسية وتحطيم حصن الباستيل في فرنسا، وقيام الثورة الصناعية في انجلترا وظهور الطبقة العاملة المرتبطة بنمو الصناعة أسهم كل ذلك في ظهور اتجاة فكري وفلسفي عرف بمنظور الصراع الاجتماعي أو الصراع الطبقي.
وهذا الاتجاه الصراعي يستمد اساسه المعرفي من الفلسفة الالمانية المثالية، خاصة جدل الفيلسوف الالماني هيغل، الذي أراد أن يستمر عمل الثورة الفرنسية بعيدا عما اصابها من الفشل, فقد رأى هيغل أن الانسان ممثل في دراما التاريخ يحاول دائما أن يقرب النص من الحياة, وهو في ما يفعله في الواقع يقدم مثلا وقيما وينشأ كإنسان نتيجة الحوار والجدل والتنافس والصراع بين هذة المثل والقيم, وكلما احتد الجدل او المنافسة، أو بتعبير أدق أن الجدل أو المنافسة، هو الطريق الذي يؤدي الى ويولد الحكمة, وأخيرا ونتيجة تبادل الرأي يقع التفاهم او الاتفاق وعن طريق المنافسة، يحل التقدم، وقد أطلق هيغل على عملية تصارع أنساق الأفكار اسم العملية الديالكتيكية, ويعد نسق الأفكار قوى تاريخية في نظرة ذات اهمية خاصة في تحديد مسار التاريخ الحضاري، وتشير العملية الديالكتيكية ببساطة الى تنافس قوتين متعارضتين ,يؤدي هذا التعارض الى ظهور قوى عديدة نتيجة لهذا الاحتدام بينهما, ويبدأ اليالكتيك بقوة تسمى قضية تناطح تلك القضية قوة جديدة تسمى نقيض القضية وهي قوة مناقضة, وينشأ كنتيجة للمعركة بين القضية ونقيضها قوة ثالثة هي التركيب او التأليف، تضم كلا منهما يمكن القول بأن جدل الديالكتيك، خاصة عند هيغل هو الذي وضع أسس نظرية الصراع الاجتماعي عند ماركس، فقد حول ماركس هذا اليالكتيك من صورته العقلية الفكرية إلى صورته المادية التاريخية، أي بدلا من صراع الأفكار أحلَّ محلّه صراع الطبقات الاجتماعية, بالمفهوم المادي الاقتصادي الاجتماعي للطبقة وليس بالمفهوم الثقافي او النفسي، كما شكلت الدراسات الاجتماعية الواقعية لحياة الطبقات العاملة في مصانع أوروبا وخاصة ظرف الفقر والبؤس والاستغلال، الذي يعيشون فيه تحت مظلة النظام الرأسمالي اساس آخر لنظرية الصراع خاصة في شكلها الماركسي.
إن منطق فلسفة اتجاه الصراع الاجتماعي هو ما يعرف بالمادية الجدلية، بمعنى أن كل شيء في تغير وتحول، وهذا منطق يعود بعيدا الى فلسفة الذريين والماديين في الفلسفة اليونانية القديمة, التي ترى أن العالم يتكون من جزئيات او ذرات متغيرة دائما, وهذه الذرات أو الجزئيات في ما يرى الماديون من طبيعة مادية، وهي أما النار أو الهواء أو اللا محدود.
وكذلك يرجع هذا الاتجاه في جزء كبير من مسلماته الى منطق نظرية النشوء والارتقاء عند داروين، الذي يرى أن كل شيء في الكون عبارة عن مادة حية تطورت من خلال الصراع مع نفسها ومع البيئة الموجود فيها, بما في ذلك الكائنات الاجتماعية والنفسية والثقافية, فهي في حكم المادة الحية المتطورة، التي ينجم ويتولد من تفاعلاتها نظم وأنساق وقيم ومثل اجتماعية او ظواهر نفسية, وكثيرا ما يعرف هذا الاتجاه بالمادية التاريخية، خاصة عند الماركسيين، الذين يرون أن ما يحكم الكون هو قانون الحركة والتغير المستمرين, وذلك خلافا للفلسفات المثالية الكلية أو العقلية او فلسفات الثبات والتوازن في الفكر البنائي الوظيفي في العلوم الاجتماعية بشكل عام، كما ترى مدرسة الصراع أن الانسان بالطبيعة خير, وان الظروف الاجتماعية المحيطة هي فقط التي جعلته شيطانا, وهذه النظرة تشبه إلى حدٍ بعيد وجهة نظر جان جاك روسو الذي يرى أن الانسان
خير.