حسن العاني
منذ أن اخترع ابن آدم الأوراق، وأصبحت له دولة وحكومة ونظام وقانون، تغيرت أنماط حياته كثيراً، ولعل التغير الأهم جاء بعد دخول الأوراق وتدخلها في الصغيرة والكبيرة من فعالياته وأعماله وتحركاته، بعد أن أصبحت هي الآمر الناهي والحاكم المطلق!
المواطن العراقي -على سبيل المثال- يولد في البيت أو المستشفى، ولا يعترف أحد بولادته إلا بعد صدور الورقة، والورقة لاحقاً تتسع وتتطور لتشمل الأحوال المدنية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن والتموينية، وحالياً تم ابتداع البطاقة الموحدة وشهادة التلقيح ضد جائحة كورونا.. طبعاً العملة ورق، ودخول المدرسة الابتدائية والتخرج منها يبدأ وينتهي بورقة، وينسحب الأمر كذلك على المراحل الدراسية كافة حتى الدكتوراه..
الحصول على الوظيفة والترفيع والعلاوة والتقاعد والتوقيفات التقاعدية وكتب الشكر والعقوبات كلها خاضعة لأوراق رسمية، بل لا يتم عقد الزواج والطلاق ولا شراء عقار أو أرض أو محل ما لم تكن الأوراق حاضرة، ومثل هذا يصح بصورة أكثر تشدداً على الاتفاقيات الدولية والمعاهدات والوثائق في حالات السلم والحرب، وما يصح على هذه (الأنشطة) يصح كذلك على ميادين الصناعة والتجارة والزراعة وما يتبعها من معاملات وتعاملات حتى في أبسط قضايا البيع والشراء!.
هذا هو سلطان الورقة، بحيث يمكن لحقك أن يُغتصب أو يضيع ولو كان القاضي الذي ينظر بقضيتك من أنزه القضاة وأكثرهم علماً وعدلاً مالم تكن معك البينة، والبينة مع التطور العصري والحضاري باتت مرهونة بالأوراق الثبوتية، ولا نغفل بالتأكيد أوراق الماء والكهرباء والضرائب والغرامات، وربما كانت هناك ورقة شديدة الغرابة تستحق الذكر، حيث لا يحق للمواطن أن يدفن ويتم الاعتراف بموته ودفنه من دون أوراق، على أن أغرب الغرائب التي تشكو منها نسبة 95% من العراقيين، هو أن (أغلب) المسؤولين الكبار، وكبار العناوين الوظيفية، يتحدثون بلغة (الشدة) ولا تسقط هذه المفردة من مخاطباتهم، عشرون شدة مثلاً أو خمسون أو مئة، في حين يتحدث المواطنون بلغة (الورقة)!
إيضاح مالي: مفردة (الورقة) تعني (100 دولار)، والمعدل الوسط لدخل المواطن العراقي شهرياً هو (3 أوراق) أي ما يعادل (445) ألف دينار تقريباً، وهذا الرقم قابل للنقصان وغير قابل للزيادة، أما المعدل الوسط لدخل (أغلب) كبار المسؤولين والعناوين الوظيفية فهو (3 شدات) أي (300 ورقة) أو ما يعادل (44) مليون دينار شهرياً، وهذا الرقم في العادة قابل للزيادة وغير قابل للنقصان!.