أحمد عبد الحسين
تحرص النظم الديكتاتوريّة على الإيحاء لجمهورها بكليّة قدرتها، أنها بمقدورها فعل أيّ شيء وقتما تشاء كيفما تشاء. هذا سرّ افتتان المفتونين بها. وللآن حين يُذكر اسم طاغية، أكان حياً كجيم أون أو ميتاً كصدام، لا مفرّ من مقارنة الصرامة الفولاذية و"الهيبة" والتجهم عندهما بالضعف والهشاشة اللتين تسمان شخصية السياسيّ في نظام ديموقراطي.
ذاك أنّ الناس، بعضهم، ينسون الظلم الذي هو جوهر الديكتاتور ولا يتبقى في ذاكرتهم سوى القوّة التي هي مظهره، تماماً كما نؤخذ باسترسال مَنْ يتكلّم بلباقة لافتة في موضوع تافه ونحجم عن متابعة مفكر عميق يبدو متلعثماً متردداً لأنه يريد انتقاء كلماته بعناية.
وإذنْ فميّزة السياسيّ في النظم الديموقراطية أنه غير موهوم بالقدرة الكليّة، ضعفه أمام جمهوره وأمام الإعلام جزء أكيد من شخصيته وعمله. لكنْ في الديموقراطيّات المشكوك بها، حال العراق مثلاً، تتخلّق حالةٌ مسخٌ، كيانات هي بين بين، ليست ديكتاتورية لأنها تؤمن بالانتخابات، لكنها تريد أن تحافظ على تلك الجهامة والقالب الشمعيّ الذي يميّز شخص الديكتاتور.
ديموقراطيّ خارج من إرث عشائريّ لقّنه أن التعرض لشخصه أمر يستحق أن يسيل فيه دم وأن تحرث حشودُ العراضة الأرض بأظلافها وهي تطلق النار على السماء، هو في آخر الأمر ديموقراطيّنا نحن الذين يحنّ كثير منّا إلى قوّة الطاغية وصمديته وعصمته عن أن يُمسّ.
من فضائل الاحتجاج، والاحتجاج والرفض كلّه فضائل، أنّه يعيد على السياسيّ حقيقة أنه قابل للانتقاد، عرضة للسخرية، موضوع للتندّر، موظفٌ في الخدمة لا يُشكر على تأدية واجب، لكنه يذمّ ويقرّع على إخلاله به.
لذا فإن صورة السياسيّ زمن الاحتجاج تغدو كاريكاتيرية مضحكة بسبب هذه المفارقة: صورته واسمه عند الناس صورة إنسان سويّ تعرّض للانتقاد، بينما صورته عند نفسه ومبخريه ومطيبيه صورة إله شمعيّ صغير بقسمات ثابتة.
جمهور كثير يقدّس شخصيات الشمع وتدفعه أوهامه عن القوّة إلى الارتماء في حضن طاغية جديد أو الذوبان حنيناً إلى طاغية قديم، لكنّ غالبية البشر الأسوياء يريدون بشراً سوياً مثلهم.