علي حسن الفواز
يمكن للسياسة أنْ تتحول إلى قوة طاردة، وإلى مجالٍ يختزل مصالح العالم، ولإبراز الخواء الذي تعيشه العولمة، وبما يجعل من توصيفها المابعد حداثي عرضة للسخرية، فهذه السياسة المُحاربة والعنيفة بدت أكثر سيطرة على اقتصاديات السوق والمعرفة والسياسة، لاسيما بعد تداعيات حرب الدونباس بين روسيا وأوكرانيا، إذ تصدعت قيمها وتوصيفاتها وموجهاتها في إدارة تلك الاقتصاديات، وعبر تمثيل منظومة السيطرة على مظاهر المركزة والعنف فيها، وفي استظهار عناوين القوة، من خلال توحيش وظائف مؤسساتها ونظامها السياسي والدفاعي والاقتصادي، فالناتو بوصفه الجناح العسكري للغرب العولمي فشل إلى حدّ ما في مواجهة قوى المركزية الروسية، مثلما فشلت منظومة الاتحاد الاوربي بوصفها الجهاز السياسي في خلق بيئة سياسية تستوعب التحولات المعقدة، وفي إيجاد ستراتيجيات سياسية رادعة وموحّدة، وفي التعاطي مع مشكلة اللاجئين، واستحقاقات الحاجة الاستيعابية لديمومة الرفاهية وللنمط الرأسمالي..
يقول فرانسس فوكوياما، وهو أحد مُنظّري الليبرالية الجديدة، : إن هذه الحرب ستعيد النظر بمفهوم نهاية التاريخ، وبقدر ما أنها بشعة، فإنها ستكون سبباً في تقويض المجتمعات الليبرالية، وربما ستعيد انتاج الشعوبيات والقادة المستبدين، وحتى الأدلجات المستبدة، فعشّ الدبابير الذي تحدث عنه، والذي تفجّر في وجه بوتين، لم يتمكن من أنْ يصطنع قوة طاردة، وربما سيعمل على تفكيك اقتصاديات الطاقة والغذاء، أي إسقاط نظام الرفاهية الذي هو جوهر نظام العولمة الفائقة..
نحن نعيش عالم "فلاديمر بوتين" هذا ماقاله إيفان كراستيف الكاتب في نيويورك تايمز، كاشفاً عن خفاياً عالم تتعثّر فيه الديمقراطية، وحقوق الانسان، إذ تمثل هذه الحرب الوجه الأكثر قباحة لصراع الأقوياء، وللسيطرة القامعة على الاقتصاديات والممرات، وربما هي ذاتها فكرة السيطرة على المياه لغلق الطرق على اليابسة كما قال السكندر غودين.
انهيار العولمة، سيجعل الليبرالية أمام طرق مغلقة، وهو مايعني التفكير بحروب مقبلة، واستعمارات جديدة، قد يضيع معها العالم، وقد تنهار القيم التي كرستها الأمم المتحدة ومنظماتها الحقوقية، مقابل صعود قوى شعبوية وعنصرية، وربما يسارية ساخطة، وهو ماسيضع الغرب المتورط بالحرب المعقدة أمام رهانات صعبة، أكثرها صدمة سيكون القبول بروسيا البوتينية، والصينية المابعد الماوية، وبالتالي سيجعل الرئيس بايدن هو آخر الرؤساء الذين توهموا بأمركة العالم...