وسائل التواصل.. هل تسببُ النرجسيَّة أم تسهمُ في كشفها؟

علوم وتكنلوجيا 2019/04/03
...

لندن/ بي بي سي
إذا ما أخذت جولة سريعة في فضاء منصات التواصل الاجتماعي، فلسوف تخرج ولديك انطباعٌ بأنَّ النرجسيَّة تسود العالم.. العالم الرقمي على الأقل.
ولنْ تكون مخطئاً؛ فخبراء الصحة النفسيَّة يتفقون على أنَّ النرجسيَّة باتت أكثر شيوعاً في حياتنا اليوميَّة، وأكثر ظهوراً عن ذي قبل. واستتبع صعود هذا التوجه صدورُ أعدادٍ كبيرةٍ من التدوينات والكتب عن النرجسية أخيراً.
وعلى كلٍ، فليس من قبيل المفاجأة أن بات “اقتفاء النرجسية” أشبه بنشاط رياضي على وسائل التوصل الاجتماعي التي هي بمثابة الموطن الطبيعي لـ”جيل السيلفي”.
ولكن لماذا زادت أعداد النرجسيين أكثر من أي وقت مضى على الإطلاق؟
 
ما النرجسية؟
لكنْ وقبل كل شيء: ماذا نعني بكلمة “نرجسي”؟
يُعرّف قاموس كولينز كلمة نرجسية بأنها “اهتمام استثنائي أو عجب بالذات، لا سيما بالمظهر الجسدي”.
إنها تعبر عن مستوى متضخم من حب الذات والاهتمام الزائد بالنفس لصالح إشباع رغبة الرضا عن الذات والمبالغة في أهميتها وقدراتها.
وتنطوي النرجسية على عدد من السمات الشخصية، يتسم بها كل منا بدرجات متفاوتة. لكن في أكثر حالاتها تطرفا تُصنّف كمرض يصيب الصحة النفسية اسمه “اضطراب الشخصية النرجسية”.
كيف تعرف أن شخصاً ما نرجسي؟
يقول د. تنيسون لي، استشاري بريطاني متخصص في علاج اضطراب الشخصية النرجسية، إن ثمة تسعة معايير تشخيصية للمرض كما هو منصوص عليه في الدليل التشخيصي والإحصائي الذي يستخدمه أطباء النفس والباحثون حول العالم.
ولتشخيص مريض بالنرجسية، يجب أن تظهر عليه خمسة على الأقل من المعايير التالية:
* إحساس متعاظم بأهمية الذات.
* خيالات بالنجاح والنفوذ.
* اعتقاد بخصوصية الذات وتفردّها.
* المطالبة بتلقي إعجاب مفرط.
* إحساس بالاستحقاق.
* الاتسام باستغلال الأشخاص.
* الافتقار إلى إظهار التعاطف مع الآخرين.
* الحسد.
* استظهار سلوكيات واتجاهات متغطرسة متعجرفة.
لكن متى يصبح الأمر اضطرابا؟
يقول د. لي: “يصبح اضطرابا إذا ما تكثف ظهور تلك السمات على نحو يسبب نوعاً من المعاناة أو الصعوبات للأفراد الذين يُظهرون تلك السمات أو لمن حولهم”.
توصلت دراسة أجريت على عينة من الأشخاص باستخدام معايير الدليل التشخيصي والإحصائي، إلى أن نسبة ستة في المئة من الأميركيين نرجسيون. على أن ثمة خمس دراسات أخرى على الأقل، استخدمت معايير أكثر تشدداً، توصلت إلى عدم وجود أي شخص نرجسي في العينات التي أجريت عليها حتى في حالات الاستعانة بعينات كبيرة.
وعليه، فبحسب الخبير الذي تسأله، يمكن أن يكون اضطراب الشخصية النرجسية شائعا جدا أو بالغ الندرة.
وفي الواقع، لا يعتقد بعض الخبراء أن الأمر يتعلق بالدليل التشخيصي والإحصائي.
يقول د. لي، الذي يعتقد أن مدى انتشار المرض يفوق مدى إدراكنا له: “أعتقد أننا بصدد مرض لا يحظى بالقدر الكافي من التشخيص والاهتمام من المتخصصين الطبيين”.
وتقدّم أنوشكا مارسين، التي غادرت شريكا ظهرت عليه سمات 
 
اضطراب الشخصية النرجسية وهي الآن تدير مكتب استشارات نفسية، نصائح لآخرين في كيفية التعرف على النرجسية في شخص ما.وتوافق أنوشكا: “النرجسية مرض وبائي. منتشر بكثرة من حولنا،
 بالتأكيد”.
علاج اضطراب الشخصية
يقول د. لي، إن كثيرين من ذوي اضطراب الشخصية النرجسية يأتون إليه معتقدين أنهم يعانون اكتئابا - لكن العقاقير المضادة للاكتئاب في الواقع لا تظهر أي أثر في من يعانون اضطراب الشخصية النرجسية.
وينبه د. لي أن “علاج اضطراب الشخصية النرجسية ليس بالأمر اليسير”؛ فهو من العلاجات النفسية التي لا تسير بسهولة؛ فعادة ما تكون هنالك صعوبة في اعتراف المرضى بالمعاناة من أي مرض، فضلا عن ميلهم في العموم إلى إلقاء اللوم على 
الآخرين.
ولا يخضع الكثيرون لجلسات العلاج إلا متأخرين، أو لا يلجؤون إليها على الإطلاق؛ إما لأنهم لا يؤمنون بجدوى العلاج أو بأهمية المعالِج.  الأخبار السارة هي أن معدلات النرجسية تميل إلى التراجع مع التقدم في السن. يقول برينت روبرتس، أستاذ علم النفس بجامعة إيليونز: “ثمة علاقة قوية نسبية بين النرجسية والفئة العمرية، و تضعف هذه العلاقة مع التقدم في 
السن”.ويضيف روبرتس: “في الواقع، إذا كان هنالك شيء أعتقد 
بعالميته، فهو حقيقة أن كبار السن أقل نرجسية من الشباب. وهو ما اتضح مرارا وبشكل مقنع على العديد من العينات ا
لمتنوعة”.
 
انتشار وبائي
إذن، هل نحن حقا إزاء انتشار وبائي للنرجسية، أم أن الأمر لا يتعدى كونه ذعرا معنويا من النرجسية؟
دافعت جين توينغ، أستاذة علم النفس بجامعة سان دييغو، بقوة في كتابها “عن وباء النرجسية”، عن أن المرض يشهد انتشارا.
وتوصلت توينغ في دراستها إلى أن طلاب الكليات الأميركية باتوا 
أكثر نرجسية من ذي قبل.
وثمة استبيان يُستخدَم منذ حقبة الثمانينيات، يُسمى “استبيان الشخصية النرجسية”.
وبمقارنة عينات طلاب الكليات ممن أكملوا الاستبيان في الفترة ما بين عامي 1982 و2009، والطلاب الذين أكلموه هذه الأيام، توصلت الباحثة توينغ إلى أن ثمة زيادة في نسبة عدد الطلاب الذين يستخدمون مصطلحات نرجسية في وصف أنفسهم.
تقول توينغ: “ثمة زيادة كبيرة جدا في النسبة المئوية لطلاب الكليات الذين قالوا إنهم فوق المعدل على الطريق لتحقيق أهدافهم”. وأضافت: “وثمة أيضا زيادة كبيرة في نسبة الأشخاص الذين اعتقدوا أنهم فوق المعدل فيما يتعلق بقدرتهم على القيادة، وفي ما يتعلق بثقتهم في ذكائهم وبثقتهم بأنفسهم اجتماعيا”.