شكر حاجم الصالحي
في إصداره الجديد (الفرهود.. ظاهرة اجتماعيَّة في المجتمعات الغارقة في التخلف)، قدّم الباحث نبيل عبد الأمير الربيعي، تأصيلاً تأريخياً لهذه الظاهرة/ الآفة، عبر أربعة فصول:
* الفصل الأول تضمن الفرهود في العهد العثماني
* والفصل الثاني واقع حال الفرهود في العهد الملكي
* وضم الفصل الثالث: الفرهود في العهد الجمهوري.
* أما الفصل الرابع فقد تناول الفرهود بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
ويهمنا هنا تقديم تعريفٍ موجزٍ عن دلالة المعنى "الفرهود" والذي يمكن حصره في أنَّ الفرهود بمحتواه الفعلي هو ترجمة لظواهر النهب والسلب التي تحدث في الأزمات والظروف العصيبة.
ومفردة الفرهود كما في لسان العرب لابن منظور: "تعني ولد السبع وقيل ولد الوعل، ويقال أيضاً للولد الغليظ، وصرفوه فقالوا: تفرهد إذا سمن)، وما الى ذلك من المعاني القريبة من ذات الفعل المشين، ومن الإشارات المهمَّة عن هذه الظاهرة ما نبّه إليه العلامة الدكتور علي الوردي في كتابه علي الوردي مذكرات الثمانين الذي حرره الراحل سلام الشماع وصدر في بيروت عام 2010، إذ دعا الوردي الى تفحص هذه الظاهرة "الفرهود"، عواملها وتطورها التأريخي، وأشار الدكتور حسين سرمك حسن في تعقيبه المهم على صموئيل نوح كريمر (1987 ــ 1990) الذي قال إنَّ أكبر عددٍ من مراثي المدن في الحفريات الأسطوريَّة عثر عليها في أرض سومر، فهناك ــ كما يشير ـــ مراثٍ لأور وأخرى لنفّر وكذلك لأكد، وهكذا، ولنأخذ شاهداً لراوٍ يتفجع في مرثيَّة سومر على خسارته لممتلكاته التي نُهبت، إذ تقول المرثيَّة:
لقد سلبت ممتلكاتي، كما لو كان سالبها جراداً كثيفاً زاحـــــــفاً
آه، يا لممتلكاتي أقول: ممتلكاتي من جاء من الأراضي السفلى
آخـــذها الى الأراضــي الســفلــى
آهٍ، يا لممتلكاتي سأقول. ممتلكاتي: من جاء من الأراضي العليا،
آخذها الى الأراضي العليا،
آهٍ، يا لممتلكاتي سأقول:
معدني وحجري الثمين وحجري اللازوردي قد بعثرت هنا وهناك.
وهناك مرثيَّة أخرى تدلل على قدم ظاهرة الفرهود في بلاد الرافدين وفي أور على وجه التخصيص إذ تقول المرثيَّة:
إيه أبانا (نانا) انَّ تلك المدينة قد حولت الى رميم
وملأ شــــعبها، وليس كسر الفخار كل محلاتــها
وتصدعت جدرانها والناس يئنون في أبوابها العالية،
التي كانـــــــوا فيها يتنزهون، رميت جثث المــوتى
وفي شوارعها المشجرة، حيث كانت تنصب الولائم
اســــتلقوا متناثــــريـــن
أور التي أكـــل الجـــوع أقــــــوياءها وضعــفاءها
............
وفي المدينة هجرت الزوجة، وهَجّر الابن، وانتشرت
الممتلكات في كل جانب....
أواه (نانا) قد دمرت (أور) وشُرّد أهلها
ولكي لا نمكث في الماضي البعيد مستذكرين فجائع هذه الظاهرة المدمرة، علينا أنْ نمضي مع الزمان لنرى ما حلَّ بالبصرة على أيدي الزنج من تخريبٍ ودمارٍ ونهب، ولنقرأ ما قاله الشاعر ابن الرومي في قصيدة بكائيَّة طويلة قال فيها:
لهف نفسي عليك ايتها البصرة لهفاً كمثل لهب الضرام
لهف نفسي لجمعك المتفاني لهف نفسي لعزّك المستضام
أين تلك القصور والدور فيها أين ذاك البيان ذو الاحكام
بُــــدلت تكلم القصور تلالاً من رماد ومن تـــراب ركام
وفي هذه الإطلالة الموجزة لا نريد أنْ ننكأ جراحنا باستذكار ما جرى من نهبٍ وسلبٍ في الحاضر القريب خاصة أثناء غزو العراق واحتلاله عام 2003، فقد عاش العراقيون تلك المشاهد المؤلمة وكان الغزاة هم وراء كل ما جرى من نهبٍ منظم.
أخيراً، لا بُدَّ من الثناء على جهد الباحث نبيل الربيعي الذي أتاح لنا قراءة إصداره (الفرهود) الذي أسهب في سرد محتوياته النافعة.