ديمقراطيات

الصفحة الاخيرة 2023/01/05
...

حسن العاني 

اهتدى العالم عبر مسيرته الطويلة إلى عشرات المفردات السياسية، تخلى عن بعضها أو عدل عنها، بينما اقتنع ببعضها الآخر قناعة مطلقة، وراح يرسخها شيئاً فشيئاً حتى صارت دستوراً حياتياً لا يحيد عنه، ولعل (الديمقراطية) هي المفردة الأكثر رسوخاً، والمصطلح الأكثر احتضاناً في دساتير البلدان المتحضرة، وقبل ذلك الأكثر تطبيقاً من قبل الأنظمة المؤمنة بها، ونحن نعرف اليوم بأن هناك سباقاً محموماً بين الحكومات والأنظمة – ملكية كانت أو جمهورية، إمارة أو مشيخة – لإضفاء صفة الديمقراطية على نفسها، بغض النظر عن كون معظمها تتحدث بمباهاة لأنها بنت في العام الماضي، مثلاً أربعة سجون عملاقة، أما في العام الحالي فإن وزارة البناء انتهت من تشييد سبعة سجون حديثة، وإن قواتها العسكرية البطلة وبمساعدة كتائب الجندرمة استعملت الذخيرة الحية بنجاح منقطع النظير وتمكنت من اخماد الفتنة التي يقف وراءها مثيرو الشغب، وتدعمها أجندات خارجية، مثلما تمكنت من اعتقال (123) ألف واحد منهم، وقَتْلِ (412)، والاستيلاء على عدد من العصي و (3) أكداس من الحجارة، وقرابة (1213) لافتة !.

في بلدان العالم الثالث يصعب الحديث عن الديمقراطية بمعانيها الشاملة، إلا باستثناءات نادرة جداً لبعض البلدان في مقدمتها العراق، إذ أتاحت التطبيقات الديمقراطية (الشاملة) فرصة ذهبية لرسم صورة مشرقة، وخير دليل على ذلك أن المواطنين منذ عشرين سنة يتظاهرون أمام هذه الوزارة أو تلك المؤسسة أو الدائرة الحكومية، وهم من شتى الفئات، خريجون يطالبون بالتعيين، ونسوان يطالبن بالمساواة، ورجال يتظاهرون ضد العنف الأسري، اعتصامات ومطالبات بالكهرباء والسكن والخدمات، وقطع طرق وحرق (تايرات)، وهتافات وقصائد شعبية.. الخ، ومع ذلك فإن (المسؤولين والوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية) وفرت لهم سبل التعبير عن آرائهم بأعلى درجات الحرية وأسمى معاني الديمقراطية، وبالطبع لا يجوز، وليس من الديمقراطية في شيء، أن يتمتع بها المواطنون المتظاهرون أو المعتصمون، ولا يتمتع بها المسؤولون، لأن المسؤول قبل حصوله على المنصب وبعد حصوله، هو مواطن مثل الآخرين، ومن حقه التمتع بهذا الحق الدستوري، ومن هنا- بعد أن منح المواطنين حقهم الدستوري في التعبير عن آرائهم – فقد مارس بدوره هذا الحق الشخصي، واكتفى بمشاهدة التظاهرات والاعتصامات، وسماع طلبات المتظاهرين، ولم ينفذ منها طلباً واحداً، لأن مهمته الرئيسة هي المشاهدة والاستماع فقط، ولن ينفذ أي 

طلب حتى لو تواصلت التظاهرات والاعتصامات عشرين سنة أخرى!.