العراق يقدّم نفسه

العراق 2023/01/08
...

أحمد عبد الحسين


الافتتاحُ المبهر لبطولة الخليج العربي بكرة القدم في البصرة، بل المناسبة بأكملها أكبر من أن تكون مجرد حدث رياضيّ.

قيل كثيراً عن ضرورة عودة العراق إلى محيطه العربيّ، الخليجي خصوصاً، لكننا نشهد هذه المرة عودة العرب إلى عراقهم الذي جعله الديكتاتور البائد والأحداث التي تلت سقوطه مسيّجاً بالنار أمام أشقائه.

وإذا أردنا أن نكون صريحين فإنّ أجيالاً من شعوب دول الخليج العربي ولدتْ ونشأتْ وكبرتْ وهي تكره العراق وتخافه في آن واحد. ذلك أنّ الجيل الخليجي الذي ولد مع غزو صدام للكويت لم يلتق بالعراق قطّ إلا في كوابيسه أو في نشرات الأخبار التي كانتْ تأتي بالعراق إليه مدمى منقسماً ومغلوباً على أمره. 

آباء هذا الجيل عرفوا العراق ولذلك أحبوه وكثير منهم يتذكرونه إلى الآن بأسى ودموع. أما شباب الخليج فلا. لأن المعرفة تعارف.

المعرفة تعارف. وإذا لم أتعرّف إلى أحد في وضع طبيعيّ فلن أعرفه ولن أحبه. وأحسب أن ذلك بديهيّ لأنّ كل حقيقة لا تقوم إلا بإزاء موضوعٍ تعرّفنا عليه أولاً.  والمعرفة مقدّمة للتعاطف والحبّ.

بطولة الخليج البصراوية مكان وزمان يليقان بتقديم العراق نفسه للجيل الخليجي الشاب. والزخم الإعلاميّ ـ حتى المبالغ فيه ـ مهم وضروري لذلك التعريف.

إذا أزيلتْ الحواجز النفسية التي تمنع من رؤية وطن عظيم كالعراق، فمن لا يحبّ هذه القطعة المشغولة بيد الإله؟

 الحواجز ستزول، وهذه البطولة ضربة مطرقة قوية في جدار الفصل النفسيّ بين الأشقاء، أدرك الخليجيون الشباب أن صدام مات، مات حقاً ومعه كل تركته الثقيلة إلى الأبد. 

ماذا بعد؟ بقيتْ الهرجة الطائفية التي يعتاش عليها المأزومون في الضفتين، وهذه تحتضر وستزول غير مأسوف عليها. 

أمس رأيت فيديو لشابّ عراقيّ يخاطب خليجياً ويدعوه إلى أن ينزل عنده ضيفاً في بيته، قال: "وحق الحسين تجي لبيتنا"! لم أر الضيف ممتعضاً، وأحببت تلقائية الشابّ وصدقه وأيقنت أن هذه الفوارق الثقافية الهيّنة التي اعتاش عليها صيارفة الدم، لا تستحق أن ترفع لأجلها أسلحة المسلحين!

العراق قدّم نفسه بأبهى صورة، والخليجيون يتعرفون على العراق الآن، وسيعرفونه ويحبونه.