جواد علي كسار
سيكون من التدليس غير المحبّذ أخلاقياً، لو أنني أعطيتُ انطباعاً بعدم متابعتي لما يقوله وينشره المتنبئون، مع إطلالة كلّ عام ميلادي.
فمع بداية السنة الجديدة أتابع فرشة عريضة من مختلف ألوان التوقعات، تبدأ بالقراءات المستأنفة والجديدة لتنبؤات الفرنسي نوستراداموس قبل نحو خمسة قرون، إلى البلغارية العمياء بابا فانغا، انتهاءً بما يقوله مايك فغاني
وماغي فرح وليلى عبد اللطيف، وما يقع بينهما شرقاً وغرباً وهو كثير.
طبعاً كنت أمام نفسي أبرّر هذا الضرب من المتابعة المجافية لمنطق العقل، ولعلوم المستقبل وأصولها وقواعدها، بأنني أفعل ذلك بدافع المقارنة بين ما يسطره هؤلاء من تنبؤات وما يحصل على الأرض فعلاً، مع علمي أن هذه مجرد حيلة نفسية لتبرير رغبة باطنية، وإشباع لحاجة نفسية يتحسّسها الإنسان، لبلوغ ما يتمناه وسماع تغييرات يريد لها أن تحصل على أرض الواقع؛ بديهي دون أن أنفي ما يستفيده المنطق الإيماني، من أن هذه النزعات وأمثالها هي دليل وجود حاجة عميقة للإنسان للارتباط بالغيب والمطلق والماوراء.
لكن أقول بصدق إن المتابعة تلك خفّت كثيراً في السنوات الأخيرة، لكثرة ما خالط هذه الساحة من ابتذال وتفاهة وادعاء.
لكن الجديد الذي أعاد اهتمامي بعالم التنبؤات، هو دخول السياسي الروسي العتيد ديمتري ميدفيديف على هذه النافذة،
يوم ضجّ العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ بالتنبؤات العشرة التي سطّرها لعالمنا الجديد!
الكلام هنا ليس عن عرّاف طارئ أو متنبئ ساذج، أو محتال يسعى وراء المال بقوّة ذكائه وحذاقة لعبه بالكلمات والمعلومات، بل عن سياسي بارع؛ آية براعته وصوله إلى رئاسة روسيا (2008 _ 2012م) ثمّ تسنّمه رئاسة الوزراء (2012 _ 2020م) وهو اليوم يتربع على كرسي نائب رئيس مجلس الأمن الروسي؛ والأهمّ من هذه التحوّلات جميعاً هي قابليته الاستثنائية
على البقاء في الواجهة مع القيصر بوتين، رغم تساقط
الكثيرون.
ليس موضوعي هي التنبؤات العشرة في نفسها، وقد باتت مشهورة عالمياً، إنما السؤال عن المسار والهدف؛ فهل من المعقول أن ميدفيديف وقع في مطبّ التنبؤ التجاري، أم تراه يعبّر عبر هذه التوقعات وبقناعها، عن استراتيجيات روسيا الكبرى خلال العام الجديد، ومن ثمّ فهو يمارس ضرباً من الحرب النفسية والتلاعب بالآخر؟!.