في العدد المرقم 302 من صحيفة الآراء، والصادر بتاريخ 15 كانون الأول 1951، نشر مقالٌ بعنوان "تعال معي واضحك" تحت تبويب "جد في هزل" وجاء في المقال: قال لي صاحبي، ترافقني إلى قضاء سهرة فريدة من نوعها؟
فقلت أنا على استعداد ولكن!
قال لا تقل ولكن، فالمسألة من السهولة بمكان وستكون ضيف شرف!
قلت وما أكثر وفاءك وكرمك هيا توكلنا على الله.
وأخذني صاحبي إلى مقهى قريب.. المكان ضيق والغور ضيق والجالسون من الطبقة العامة يتهامسون.
جلسنا ناحية منعزلة وكان الراديو العراقي يذيع نشرة أخبار الخامسة وكانت الساعة العاشرة مساءَ..
قال المذيع:
عاد الدكتور مصدق إلى طهران واستقبل بحفاوة كبرى ومما يذكر أن محمد مصدق لم يكلف خزانة الدولة فلسًا واحدًا في ذهابه إلى إميركا وإيابه منها، فقد تبرع بجميع مصاريف الرحلة لشخصه وحاشيته.
ولم يكد يصل المذيع إلى هذه الجملة حتى انبرى أحد الجالسين وصاح بأعلى صوته يعيش الدكتور مصدق هكذا فلتكن الوطنية.
بس عبالكم مثل بعض الموظفين الكبار عندنا يتونسون براس الحكومة ويطلعون، خرجيتهم لما يرجعون شايلين أنواع المهربات "القجق" ومحد يكدر يكول إلهم شي..
شوف يابه هذا الوزير الفلاني راح إلى لندن للمعالجة على حسابه الخاص وبعد أن تندم وقال: يابه ليش ما أخلي الدولة تصرف عليّ فلوس، قام وسوه روحه على شكل "إيفاد" يعني حتى لمن يرجع يقدم قائمة سفر ويقبض الفلوس!
وقبل أن ينتهي المتكلم من حديثه انبرى له رفيقه قائًلا: يابه هذوله أهل إيران صايرين اسباع وأبطال، لوما سباع ما كانوا يطردون الإنكليز من بلادهم وياخذون النفط اللي كان الإنكليز ضابطينه خمسين سنة، ما أدري هذوله يكولوسووا إلهم تأميم يعني خلو النفط بيد حكومتهم، هي اللي تطلعه وهي اللي تبيعه مو مثلنا الخايبين تجي علينا شركة النفط وتتحكم بروسنا وتعين كل من زايعته الأرض من الأجانب، وتاخذ كل النفط وما تنطينه إلا الفضله، والأهالي والأحزاب لما شافت ظلم الشركة عاتبتها، لكن الشركة شيطانة وحياله سوت فد اتفاقية لو اجتمعت كل الأبالسة ما تفتهم تقراها، وجاء الله يسلمه نوري باشا وصاح بالعرب يابه هاي خوش اتفاقية مال نفط، احنه لازم نمضيها لأن بيها هواية فوائد إلنا..
وبيما كان الرجل يتكلم بهذه اللهجة الاستنكارية، إذ دخل المقهى أحد مراقبي الأمانة وكان المذيع قد انتهى من نشرة الأخبار الخارجية ووصل إلى نشرة الأخبار الداخلية وفيها أنَّ أمانة العاصمة قد فتحت شعبة خاصة للشكاوى ولم يكد يصل إلى هذه الجملة حتى رأيت صاحبي يقف ويطلب من صاحب المقهى غلق الراديو أو فتح محطة أخرى ثم وجه خطابه إلى الحاضرين قائًلا:
يابه يا أهل بغداد.. السامعين الصوت.. تره أمانة العاصمة كانت نايمة ورجليها بالشمس في السنوات الماضية واليوم صح النوم، وكل من يريد يشتكي تره الأمانة تلبي الطلب وتساعده على جل جميع القضايا.
وهنا ضج الحاضرون بالضحك واستغربت أنا وقلت على م تضحكون فقال صاحب المقهى:
عيني سيد أشوف الأمانة تأخذ من عدنا أجور حراسة لكن هي لو عدها انصاف كان ترفع عنا هالضريبة لأن الحراسة من واجب الشرطة، وشنو الفائدة من الحراسة إذا كان الدكان ينسرق وماكو تعويض للمسروق؟
وأشوف الأمانة تأخذ ضريبة الحراقية كل شهر وما أعرف ليشهالضريبة وتأخذ من عدنا ضريبة الراديو مع إننا ندفع كل سنة ضريبة الراديو إلى مديرية البريد ويكفر واحدنا إذا طلع فد كرسي لو تخت وخلاه على الرصيف لأن اللازم تدفع عليه أجور شهرية هذا مع علمنا بأنه من من حقنه احتلال الأرصفة لكن شنسوي العيشة تنراد..
قلت أخي أنت متدري أن الأمانة قامت في الأيام الأخيرة بتبليط معظم الشوارع، فقال نعم.. انداينت أكثر من مليون دينار للتبليط الجديد لكن هجمت بيوت العالم لأنها فرضت على الناس دفع أجور تبليط للمرة الثانية مع أن التعمير أو التبليط المجدد هو من واجب الأمانة، فلو فرضنا أنك دفعت اجور التبليط اليوم وبعد اسبوع قررت الأمانة تبليط الأرض بالكاشي والموازيئك "كما فعل أحد الأمناء في غرفته مرتين" وطالبتك بدفع أجور التبليط الجديد فماذا يكون
موقفك؟!
وبينما نحن في هذا الجدل إذ شممت رائحة كريهة فنظرت حولي فإذا ببعض الجالسين يتبادلون سيجارة فعجبت من أمرهم فأخرجت علبة سجائر من جيبي وقدمتها لهم قائًلا يابه هاي شنو؟! فد جكارة كلكم تشربون منها؟! مو هذي تسبب أمراض.. وشعرت بقرصة شديدة في يدي من صاحبي فلم أفهم قصده وسكت قليلًا ورأيت الجالسين يبدون شكرهم لي.. ثم علمت أن هذه السيكارة فيها حشيش!
ويا للعجب أأدخل مقهى الحشاشين وماذا يقول الناس عني إذا رأوني خارجًا من المقهى؟
إذن لقد أراد صاحبي أنْ يجعلني اضحوكة بين العالم.. فلأخرج بسرعة قبل أنْ يراني الناس أو أخرج مهرولاً قبل أنْ يلحق بي صديقي.. وإلى لقاء.