مراقب يكتب بين السطور
في العدد المرقم 11 من صحيفة المرحلة الأخيرة، والمؤرخ في 8 آب 1953، نُشر مقالٌ بعنوان بين السطور بقلم "مراقب" جاء في المقال:
هذا الحقل من الجريدة
يستطيع الكاتب أنْ يكتب مقالًا بعدة أعمدة وبسهولة تامَّة إذا كان الموضوع واحدًا معروفًا لديه.
أما كتابة عددٍ من المواضيع المركزة القصيرة لتحتل أعمدة معينة من الجريدة فتعدّ من الأمور الشاقة لأنَّ الكاتب مضطرٌ إلى انتخاب أكثر المواضيع حساسية وأكثرها التصاقاً باهتمام القارئ..
ولن يتيسر ذلك إلا لمن كان دائم النظر في الأمور ليربط بينها وبين الماضي.
كتبت في هذا الحقل عشرات من المواضيع – بتكليف من صاحب الجريدة – نالت الاستحسان والغضب وأنا لا يهمني الاستحسان ولا الغضب ما دمت قد أديت واجبي نحو المجتمع.
إنَّ الأشخاص زائلون ولكنَّ أعمالهم تظل ماثلة للعيان.
فأنا أكتبُ بواجبٍ من ضميري فلا أتملق أحداً ولا أخشى أحدًا إلا الله، فليرض عني من يشاء وليغضب من يشاء، ما دمت أعتقد أنَّ رسالة "المرحلة الأخيرة هي رسالة الخير والسعادة والرفاه لأبناء هذه البلاد.
أنا أريد من يدلني على الخطأ ولا أبالي بالعتاب لأنني لا أعرف المجاملة على حساب الحق!
توحيد التمثيل السياسي
سألت إحدى الصحف فخامة توفيق السويدي وزير الخارجية عن رأيه في توحيد التمثيل السياسي العربي فأجاب بأنَّ العراق قد درس الموضوع دراسة مستفيضة وقدم مذكرة بذلك إلى الجامعة العربية.
والحق أنَّ تشكيلات الخارجية العراقية في حاجة إلى تقليصٍ بدلًا من هذا التوسع الذي لا معنى له سوى تبذير أموال الدولة.
وقد سبق أنْ أشرنا إلى ضرورة فتح القنصليات في بلاد وثيقة الصلة بالعراق من الناحية التجارية كاليابان بدلًا من فتح مفوضيات ذات تشكيلات واسعة في أسبانيا وإيطاليا.
إننا نعتقد أنَّ توحيد التمثيل السياسي العربي يرفع من سمعة العرب ويقوي عضد الجامعة العربية ويوحد الشعور العربي بحيث لا يشعر العربي المغترب في أقطار العالم بوحشية عندما يذهب إلى أي وزير عربي يمثل بلاد الجامعة بدلًا من تمثيله بلاده وحدها.
وفي توحيد التمثيل اقتصاد كلي في النفقات ويمكن الاستفادة من المبالغ الفائضة بنشر الدعاية العربية في مختلف أنحاء العالم.
حصر المهن بالعراقيين
وأخيرًا فطنت وزارة الشؤون الاجتماعية إلى قانون حصر المهن بالعراقيين فكتبت إلى الشركات المختلفة تلحُّ عليها بضرورة عدم استخدام الأجانب في الأعمال التي يكون العراقيون فيها قادرين على القيام بها.
لو طبقت الجهات المسؤولة هذا القانون تطبيقًا حرفيًا خلال السنوات الماضية لما وجدنا عاملًا واحدًا عاطلًا ولكنَّ الشذوذ في القضايا العامة قد شلَّ هذا القانون فامتلأت الشركات بالعمال والموظفين الأجانب وحرم العراقي من العمل فاضطر في الأيام الأخيرة إلى الهجرة إلى الكويت – مع اعترافنا بفائدة هذه الهجرة ومزاياها بالنسبة للقضايا القومية.
إنَّ قانون حصر المهن بالعراقيين حقٌّ مشروعٌ لأنَّ الأمم المتمدنة تحرص على حماية مواطنيها من مزاحمة الأجانب.
موظفو وزارة الإعمار
بعد أيامٍ يتساوى موظفو ومستخدمو وزارة الإعمار بغيرهم من موظفي ومستخدمي الدولة وذلك حسب قانون الخدمة المدنية الذي ستسير عليه هذه الوزارة.
لقد كان الموظفون في بقية دوائر الدولة يشعرون بالحيف والغبن عندما يشاهدون زملاءً لهم قد نالوا الرواتب المضاعفة لمجرد وصولهم إلى أعقاب مجلس الإعمار.
أما اليوم فإنهم لا يطلبون شيئًا سوى التساوي في مكيفات الهواء وفاخر الأثاث والرياض! فقد وضع فخامة رئيس المجلس السابق في كل غرفة مكيفة هواء وفرشها بأحدث الأثاث وأفخر الطنافس ولهذا فإننا نأمل أنْ يشمل منشور وزارة المالية الأخير حول شراء أثاث وزارة الإعمار وبذلك تحول دون تبذير أموال الدولة دون أي مبرر.
مجلة النفط
نهجت شركة النفط البريطانيَّة في السنوات الأخيرة نهجًا جديدًا بعد أنْ أصيبت "شركة النفط الأنكلوإيرانية" بتلك الضربة القاصمة – ضربة التأميم.
ومؤدى هذا النهج بذل أقصى الجهود في نشر الدعاية لغرض الاحتفاظ ببقية النفط الذي تنتجه البلاد العربية.
ومنذ سنة ومجلة "أهل النفط" تصدر بأجمل حلة وتباع بأبخس الأثمان وتهدى إلى آلاف القراء.
ولم تكتف الشركات النفطية بمجلة أهل النفط "العربية منها والانكليزية" بل أضافت إليها مجلة أخرى هي "مجلة النفط" وتصدر في لندن باللغات العربية والانكليزية... و.. و
تصفحنا عدد تموز من هذه المجلة فوجدناها تضم عدة مقالات أهمها بالنسبة إلينا "العراق على أبواب مستقبل ذهبي" ونحن لا ندري متى ترى عيوننا هذا الذهب ومتى نسعد برغد العيش ورخص الأسعار؟
نحن "أبناء الساعة" فإذا لم نشبع بطوننا فكيف نصدق ما يخبئه المستقبل لنا من نعيم وسعادة؟
من أضرار التقليد
حكمت محكمة جزاء بغداد قبل أيام بغرامة على صاحب معمل صابون قام بتقليد صابون يصنعه معمل آخر.
والعبرة من هذا الحكم يجب أنْ تكون نبراسًا لأننا نتصف بصفة تعاب عليها دائمًا وأبدًا وهي تقليد المنافسة غير المشروعة.
فإذا فتح أحدهم حانوتًا لبيع بضاعة وأقبل الناس عليه سرعان ما تجد الآخرين يحاولون فتح الحوانيت بجواره ليبيعوا البضاعة ذاتها من دون أنْ يحاولوا الابتكار والتغيير وهذا التقليد "حسب اعتقادي" ناتجٌ عن الحسد.
أنظر إلى انتشار دور السينما في بغداد فإذا تحريت عن السبب علمت أنَّ التقليد والحسد دفع الآخرين إلى وضع أموالهم موضع المنافسة، والمنافسة إذا كانت شريفة لا بُدَّ أنْ تنجح وهي محمودة النتائج، أما إذا كان منشؤها الحسد فإنها تؤدي إلى الخسارة للطرفين.
لا أريد أنْ أضربَ الأمثال على التقليد ويكفي أنْ أقول عن هؤلاء إنَّهم كالماعز إذا طفرت أحدها طفر الآخرون على الأثر!
السلاحف الناقلة للبريد
أشارت صحيفة صباحيَّة إلى قصة السلاحف التي تنقل البريد بين البلاد العربية وانتقدت الجامعة العربية وممثلي البريد في المؤتمرات الدولية الذين يجتمعون على موائد الطعام قبل اجتماعهم الروتيني حول المائدة المستديرة.
والحق أنَّ هذه الكلمة كان يجب أنْ توجه إلى مديرية البريد العامة التي تبذل قصارى جهودها في سبيل تأخير البريد بدلًا من الإسراع في توزيعه.
نحن لا ننكر أنَّ "الظروف الحالية" تتطلب تدقيق الرسائل قبل توزيعها على أصحابها ولكنَّ هذا لا يمنع مطلقًا قيام موظفي التوزيع بواجبهم بالسرعة المطلوبة.
ولم تنشر الصحيفة المذكورة ولا غيرها أجور البريد ولا سيما البريد الجوي.
فلقد اعتقد المسؤولون عن هذه المديرية بأنَّ من واجبهم تضخيم خزانة البريد على حساب الناس اعتقادًا بأنَّ عملهم يرضي الحكومة وبذلك "يخلدون" في وظائفهم وتصبح لهم ملكًا مسجلًا في الطابو وخصوصًا إذا كانت مشفوعة بالكوكتيلات الكبرى.
الغناء في الشوارع
حكمت محكمة جزاء بغداد على خمسة أشخاص بغرامة نصف دينار لكلٍ منهم لأنهم أقلقوا راحة الناس بغنائهم ليلًا والناس نيام.
مرَّ كثيرون على هذا الخبر وحسبوه تافهًا، والحق أنَّ هذه الظاهرة الغربية قد أخذت تنتشر مع الأسف الشديد في أوساطنا بعد أنْ سكت أصحاب الحق العام من المطالبة بحقهم حرصًا منهم على راحتهم بعد أنْ دلت التجارب أنَّ محاكمنا المحترمة لا تشدد العقوبة على مرتكبي جرائم إقلاق الراحة العامة.
فلو أنَّ المحاكم فرضت العقوبات الصارمة في مثل هذه الحالات لخلت الشوارع من المستهترين بحقوق أنفسهم وحقوق الناس.
ترى لو تقدم كاتب هذه الكلمة يشكو مدير أحد الملاهي لأنه نصب ميكرفونات بقوة ألف فولط ينشر منه أقبح الأصوات إلى ما بعد الثانية صباحًا فهل تسمح المحاكم دعواه وتفرض الغرامة والحبس على صاحب الملهى المتجبر الذي يقلق المرضى والمتعبين.. الجواب لدى وزارة الشؤون.
الثقافة الدينيَّة
بيد أنَّ ثقافة الجيل الطالع قد أصبحت علمانيَّة بدليل جهل معظم خريجي المدارس لأبسط قواعد الدين.
والثقافة العلمانية تقود البلاد إلى الدمار والهلاك لأنَّ المتمسك بعقيدته الدينية الصحيحة الخالية من الشوائب والخرافات لا ينجرف مطاقًا بتيار المبادئ الوافدة الهدامة.
ولهذا راح المخلصون للبلاد يطالبون بشدة بضرورة تقوية الثقافة الدينية.
ومن آثار هذه الثقافة العلمانية شيوع الفاحشة في مختلف الأوساط، واصبح المناضلون عن التقاليد العربية والإسلامية في حيرة من أمرهم لا يدرون كيفية ونوع الإصلاح الذي يجب أنْ يقدم على غيره، فالبغاء والخمور وسباق الخيل والقمار ودور السينما والملاهي الداعرة كل هذه قد انتشرت انتشارا فظيعًا، وصارت الصحافة تدار من قبل البعض ممن لا يغارون على سمعة البلاد وراحت تنفخ في بوق الدعارة، ولهذا فإنَّ الإصلاح ميسور لو سلمت نيات المعارف والأوقاف.
إعلانات الأطباء والأدوية
لا يخفى بأنَّه لا يحق للطبيب أنْ يعلنَ عن نفسه إلا عند تغيير محل العيادة دون أنْ يذكر أي تفصيلٍ عن مؤهلاته على ألا يتجاوز عدد مرات الإعلان عن الخمس مرات.
والغرض من ذلك حماية الجمهور من الإعلانات المغرية. وينطبق هذا الوضع على المحامين أيضاً، وكان من واجب المسؤولن عن صحة الشعب تقييد ومراقبة إعلانات الأدوية التي تفتك بالأهلين فتكًا ذريعًا ولا سيما تلك الأدوية "المقوية" الممزوجة بالكحول والتي يستعملها الناس دون أنْ يعرفوا أضرارها، وكذلك الحال في مركبات "الأسبرين"، وقد بالغ أصحاب هذه الحبوب في الدعاية لها مستعملين مكبرات الصوت وشاشات السينما وصفحات الصحف.
نوجه كلمتنا هذه إلى الجمعيَّة الطبية وإلى وزارة الصحة للعمل على تخليص الناس من إغراءات الأدوية "التي تشفي جميع الأمراض!".