أقوال !

الصفحة الاخيرة 2023/01/15
...

حسن العاني

باختصار شديد فإن الكلام الذي يقوم على حكاية حقيقية ، ويصدر عن موقف وبأقل المفردات العفوية ، هو ( مَثَلٌ – جَمْعه أمثال ) سواء كان بالفصحى أم بالعامية ، أما إن لم يستند إلى حكاية ، ولكنه كثير التداول في خطابنا اليومي فهو ( قول وجمْعُه أقوال ) ، وميزاته الرئيسة أنه متعدد الوظائف ، كأن تكون حكمةً أو مدحاً أو ذماً أو موافقة أو اعتراضاً أو سخرية ..الخ ، كما أن استعماله يأتي عفوياً ضمن سياق الكلام وجزءاً من أحاديثنا الاعتيادية ، من بين أروع ما وقفت عليه من دلالات التجربة الحياتية والحكمة العالية ... قول الإمام علي ، عليه السلام ، قوله (الدنيا يومان ..يوم لك ويوم عليك ..الخ) ، وهكذا هو أمر القول في فصيح اللغة شعراً أو نثراً كقول المتنبي ( لكل إمرئ من دهره ماتعودا ) أو قول الحمداني أبي فراس (إذا متُّ ظمآناً فلا نزل الفطر) ...الخ ، وكلُّ نصٍ من هذه الأقوال يؤدي غرضاً معيناً لايصعب إدراكه أو فهم المراد منه ..

وما دامت اللغة (العامية) قد أصبحت السمة العامة للتخاطب منذ آواخر العصر العباسي تقريباً ، فإن الاقوال تتضح بصورة جلية في كلام الناس ، فقد قالوا من باب الترحيب بالآخر مثلاً (الك العين افضه من الـﮓاع – أي- العين في استقبالك أوسع من الأرض) ، وبمناسبة ذكر العين نسمع هذا التعبير ( العين ماتِعْله على الحاجب) ، والمقصود هو احترام المقابل والإعلاء من منزلته .. وأحدهم يدلي لصاحبه بمعلومة لايريد أن يعرفها غيره ، فيرد عليه صاحبه (سرك إببير / أي / سرك في بئر) بمعنى لايطلع عليه أحد، ومن لطيف ما استحضرته ذاكرتي – وآمل أن لايكون مثلاً – قول غاية في الإشارة أو الدلالة الذكية ، ويطلق عادة على كل من تولى مسؤولية أو مهمة أو منصباً أكبر من حجمه وخبرته وشهادته وكفاءته ونزاهته ( من قلة الخيل شدّوْا على الكلاب سروج !!) ، ومن الأقوال الأخرى المنوعة وذات الدلالات المتباينة قولهم (لاصايره ولادايره / كومه حجار ولا هالجار / ظلمه ودليلها الله / باب النجار مخلوعه / مو كل مدعبل جوز / كلامك على راسي ) وغيرها كثير مما نستعمله في المناسبات السعيدة أو مجالس العزاء أو الصلح أو الخصومات أو البيع والشراء وعموم مناحي الحياة ..

القول الذي استوقفني كثيراً هو ( ربي لتْسلِّط علينا حاكم ولاحكيم ) والمقصود بالحكيم هو الطبيب ، أما الحاكم فيراد به المسؤول الظالم في هذا القول ، ومعناه أن يبعد عنهم (الظلم والمرض) والغريب في هذا القول هو تقديم الحاكم على الحكيم ، أي أن الناس تخشى من الحاكم وظلمه أكثر مما تخشى المرض والموت .. فهل هذا معقول ؟

الوقائع في العراق منذ مئة سنة تقول : أكثر من معقول !!